وقوله سبحانه : ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَىٰ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ ﴾ [٤٨] . وهذه استعارة. لأن المراد بها رجوع الظلال من موضع إلى موضع. والظلال على الحقيقة لا تتفيأ ولا تنقل ، وإنما ترد الشمس عليها ، ثم ترجع إلى ما كانت عليه ، بعد أن تزول الشمس عنها ، والشمس هى المتنقلة عليها ، والظلال قائمة بحالها.
وقوله تعالى فى صفة النحل العسّالة : ﴿ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ ﴾ [٦٩] . وفى هذه الآية استعارتان : إحداهما قوله تعالى : ﴿ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ﴾ ، على قول من جعل ذللا حالا للسّبل ، لا حالا للنحل. والذّلل : جمع ذلول ، وهى الطرق الموطّأة للقدم ، السهلة على الحافر والمنسم ، تشبيها لها بالإبل الذلل ، وهى التي قد عوّدت الترحل ، وألفت المسير.
والاستعارة الأخرى قوله سبحانه : ﴿ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ ﴾ والمراد بذلك العسل. والعسل عند المحققين من العلماء غير خارج من بطون النحل ، وإنما تنقله بأفواهها من مساقطه ومواقعه من أوراق الأشجار ، وأضغاث النبات. لأنه يسقط كسقوط الندى فى أماكن مخصوصة ، وعلى أوصاف معلومة ، والنحل مهملة تتبع تلك المساقط ، وتعهد تلك المواقع ، فتنقل العسل بأفواهها إلى كواراتها (١) المواضع (٢) المعدّة لها. فقال سبحانه : ﴿ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا ﴾ والمراد من جهة بطونها. وجهة بطونها : أفواهها. وهذا من غوامض هذا البيان ، وشرائف هذا الكلام.
__________________
(١) الكوارات بضم الكاف وتشديد الواو جمع كوارة ، وهى بيت يتخذ للنحل من القضبان أو الطين تأوى إليه. أو هى عسلها فى الشمع.
(٢) هكذا بالأصل ولعلها « والمواضع » بواو عاطفة.