وقوله سبحانه : ﴿ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ ﴾ [٢٦] وهذه استعارة. لأن الإتيان هاهنا ليس يراد به الحضور عن غيبة ، والقرب بعد مسافة. وإنما ذلك كقول القائل : أتيت من جهة فلان. أي جاءنى المكروه من قبله. وأتى فلان من مأمنه. أي ورد عليه الخوف من طريق الأمن ، والضر من مكان النفع.
وقوله سبحانه ﴿ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ ﴾ [٢٨] . وهذه استعارة. وليس هناك شىء يلقى على الحقيقة. وإنما المراد بذلك طلب المسألة عن ذل واستكانة ، والتماس وشفاعة. لأن من كلامهم أن يقول القائل : ألقى إلىّ فلان بيده. أي خضع لى ، وسلّم لأمرى. وقد يجوز أيضا أن يكون معنى فألقوا السّلم. أي استسلموا وسلّموا. فكانوا كمن طرح آلة المقارعة ، ونزع شكّة المحاربة. وفى معنى ذلك قوله سبحانه : ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ (١) أي لا تستسلموا لها ، وتوقعوا نفوسكم فيها.
وقوله سبحانه (٢) : ﴿ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ [٤٠] . وهذه استعارة. لأنه ليس هناك شىء على الحقيقة يؤمر ولا قول يسمع. وإنما هذا القول عبارة عن تحقيق الإرادة وسرعة وجود المراد ، من غير معاناة ولا مشقة ، فهو إخبار عن نفاذ قدرته تعالى. فإذا أراد أمرا كان لوقته ، من غير أن يبطئ إيجاده ، أو يتقاعس إنفاذه. وذلك بمنزلة قول أحدنا : « كن » فى خفة اللفظ به ، وسرعة التعبير عنه ، من غير كلفة تلحقه ، ولا مشقة تعترضه.
وقيل إن معنى قوله سبحانه : ( كن ) علامة للملائكة يدلهم بها عند سماعهم لها على أنه سيحدث كذا ، ويفعل كذا ، من محكمات التقدير ، ومبرمات التدبير.
__________________
(١) سورة البقرة. الآية رقم ١٩٥.
(٢) فى الأصل : « إنما أمرنا » وهو تحريف من الناسخ لكلام الله تعالى. والصحيح : « إنما قولنا لشىء إلخ ـ سورة النحل الآية رقم ٤٠.