وقوله سبحانه : ﴿ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ [٨٦] وهذه استعارة. والمراد بإلقاء القول ـ والله أعلم ـ إخراج الكلام مع ضرب من الخضوع والاستكانة والإسرار والخفية ، كما قال سبحانه : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ ﴾ (١) وفى هذا الكلام مفعول محذوف. فكأنه قال تعالى : تلقون إليهم الأخبار بالمودة. وهذا القول نزل فى قوم من المؤمنين كانوا يجتمعون مع قوم من المنافقين بأرحام تلفّهم ، وخلل (٢) تولد عنهم ، فيتسقطونهم ليعرفوا منهم أخبار النبي صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين ، فنهوا عن مناقشتهم والاجتماع معهم. فكأن المعنى : تلقون إليهم الأسرار بالمودة التي بينكم ، على سبيل الإسرار والإخفاء.
وقد قيل إن المراد : تلقون (٣) إليهم المودة ، فقال تعالى : بالمودّة ، كما قال سبحانه : ﴿ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ ﴾ (٤) أي تنبت الدهن على أحد التأويلين ، ونظير التأويل الأول قوله سبحانه فى ذكر الشياطين : ﴿ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ﴾ (٥) أي يطلبون سماع الأخبار على وجه الاستخفاء والاستسرار. وهذا الوجه لا يصح (٦) فى قوله تعالى : ﴿ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ [٨٦] لأن الحال التي أخبر سبحانه بأن هذا يجرى فيها هى حال القيامة ، وتلك حال لا يجوز فيها الاستسرار لقول ، ولا الكتمان لسر ، لأن السرائر مظهرة والضمائر مصحرة. (٧) وإنما المراد بهذا الكلام ما يقوله المعبودون لمن عبدهم من الأمة ، إذ يقول سبحانه : ﴿ وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ ، قَالُوا رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ
__________________
(١) سورة الممتحنة. الآية رقم ١.
(٢) الخلل : جمع خلة وهى الصداقة والصحبة.
(٣) فى الأصل : يلقون.
(٤) سورة المؤمنون. الآية رقم ٢٠
(٥) سورة الشعراء. الآية رقم ٢٢٣
(٦) فى الأصل : من قوله تعالى. وهو تحريف من الناسخ صوابه ما أثبتناه
(٧) أصحر الأمر : أظهره وأعلنه فى غير خفاء