والعمر هاهنا هو العمر. ومعناه الحياة.
وكنت أستحسن هذا القول منه جدا ، وله نظائر كنت أسمعها منه عند قراءتى عليه. وكان ـ عفا الله عنه ـ كثير الاستنباط للخبايا ، والاستطلاع للخفايا.
وقوله سبحانه : ﴿ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ ﴾ [٧] وهذه استعارة على أحد التأويلين. وهو أن يكون المعنى : أنكم لا تبلغون هذا البلد إلا بأنصاف أنفسكم ، من عظم المشقة ، وبعد الشقة ، لأن الشق أحد قسمى الشيء. ومنه قولهم : شقيق النفس أي قسيمها ، فكأنه من الامتزاج بها شق منها. وعلى ذلك قول الشاعر (١) :
من بنى عامر لها نصف قلبى |
|
قسمة مثلما يشقّ الرّداء |
فأما من حمل قوله تعالى : ﴿ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ ﴾ على أن معناه المشقة والنصب والكد والدأب ، كان الكلام على قوله حقيقة ، وخرج عن حد الاستعارة. فكأنه سبحانه قال : إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بمشقة الأنفس.
وقوله سبحانه : ﴿ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ ﴾ [٩] وهذه استعارة. لأن الجائر هو الضال نفسه. يقال : جار عن الطريق. إذا ضل عن نهجه ، وخرج عن سمته. ولكنهم لما قالوا : طريق قاصد. أي مقصد فيه ، جاز أن يقولوا : طريق جائر أي يجار فيه.
وقوله سبحانه : ﴿ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [٢٥] . وهذه استعارة لأن الأوزار على الحقيقة هى الأثقال ، واحدها وزر. والمراد بها هاهنا : الخطايا والآثام ، لأنها تجرى مجرى الأثقال التي تقطع المتون ، وتنقض الظهور.
وفى معنى ذلك قولهم : فلان خفيف الظهر. إذا وصفوه بقلة العدد والعيال ، أو بقلة الذنوب والآثام.
__________________
(١) لم أهتد إلى اسم هذا الشاعر بعد طويل بحث فى المراجع والمظان وكتب الشواهد والتفسير واللغة وغيرها. والله يجزل شكر من يدلنا عليه ! .