و من السور التی یذکر فیها « النّحل »
قوله سبحانه : ﴿ يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾ [٢] وهذه استعارة. لأن المراد بالروح هاهنا الوحى الذي يتضمن إحياء الخلق والبيان عن الحق. ومثل ذلك قوله سبحانه : ﴿ وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ﴾ (١) ومثله قوله سبحانه فى المسيح عليهالسلام : ﴿ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ﴾ (٢) فسماه تعالى روحا على هذا المعنى ، لأن به حيا (٣) أمته ، وبقاء شريعته. وقد مضى معنى ذلك فيما تقدم من هذا الكتاب.
فأما قوله سبحانه : ﴿ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ﴾ (٤) فإنما أراد بذلك الروح التي خلقها ليحيى عباده بها ، وأضافها إلى نفسه كما أضاف الأرض إلى نفسه ، إذ يقول تعالى : ﴿ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ﴾ (٥) .
وكان شيخنا أبو الفتح عثمان بن (٦) جنى رحمهالله يقول : معنى قولهم فى القسم : لعمر الله ما قلت ذلك ، ولأفعلن ذلك. إنما يريدون به القسم بحياة يحيى الله بها ، لا حياة يحيى بها ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا. فكان المقسم إذا أقسم بهذه الحياة دخل ما يخصه منها فى جملة قسمه ، وجرى ذلك مجرى قوله : لعمرى. فيصير مقسما بحياته التي أحياه الله بها.
__________________
(١) سورة الشورى الآية رقم ٥٢.
(٢) سورة. النساء الآية رقم ١٧١.
(٣) هكذا بالأصل. ولعلها « حياة » أو « إحياء » .
(٤) فى الأصل : فنفخ بالفاء ، وصحة الآية : ونفخ بالواو. سورة السجدة آية رقم ٩.
(٥) سورة النساء. الآية رقم ٩٧.
(٦) تقدمت ترجمته فى مجازات سورة التوبة.