تطرقه من كل مطرق ، وتطلع عليه من كل مطلع. وقد يوصف المغموم بالكرب ، والمضغوط بالخطب بأنه فى غمرات الموت ، مبالغة فى عظيم ما يغشاه ، وأليم ما يلقاه.
وقوله سبحانه : ﴿ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ﴾ [١٨] فى هذه الآية استعارتان إحداهما (١) قوله تعالى : ﴿ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ ﴾ (٢) .
وقوله سبحانه : ﴿ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ﴾ [٣٧] . وهذه من محاسن الاستعارة. وحقيقة الهوىّ النزول من علو إلى انخفاض كالهبوط. والمراد به هاهنا المبالغة فى صفة الأفئدة بالنّزوع إلى المقيمين بذلك المكان. ولو قال سبحانه : تحنّ إليهم ، لم يكن فيه من الفائدة ما فى قوله سبحانه : ﴿ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ﴾ لأن الحنين قد يوصف به من هو مقيم فى مكانه ، والهوىّ يفيد انزعاج الهاوي من مستقرّه.
وقوله تعالى : ﴿ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ﴾ [٤٣] وهذه استعارة. والمراد بها صفة قلوبهم بالخلوّ من عزائم الصبر والجلد ، لعظيم الإشفاق والوجل. ومن عادة العرب أن يسمّوا الجبان يراعة جوفاء ، أي ليس بين جوانحه قلب.
وعلى ذلك قول جرير يهجو قوما ويصفهم بالجبن :
قل لخفيف القصبات الجوفان |
|
جيئوا بمثل عامر والعلهان (٣) |
__________________
(١) فى الأصل : أحدهما. بالتذكير وهو تحريف من الناسخ.
(٢) هنا ورقة ضائعة من الأصل. من الآية ١٨ إلى الآية ٣٧.
(٣) ورد هذا البيت فى ديوان جرير هكذا.
ويلكمو يا قصبات الجوفان |
|
جيئوا بمثل قعنب والعلهان |