رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ (١) لأن الحكم فى ذلك اليوم له خالصا ، لا يشاركه فيه حكم [ حاكم ] (٢) ، ولا يحادّه أمر آمر. وقد يجوز أن يكون المقام هاهنا معنى آخر ، وهو أن العرب تسمى المجامع التي تجتمع فيها لتدارس مفاخرها ، وتذاكر مآثرها « مقامات » و « مقاوم » . فيجوز أن يكون المراد بالمقام هاهنا الموضع الذي يقصّ فيه سبحانه على بريّته محاسن أعمالهم ، ومقابح أفعالهم ، لاستحقاق ثوابه وعقابه ، واستيجاب رحمته وعذابه ، وقد يقولون : هذا مقام فلان ومقامته ، على هذا الوجه ، وإن لم يكن الإنسان المذكور فى ذلك المكان قائما ، بل كان قاعدا أو مضطجعا. ومن الشاهد على ذلك قوله تعالى فى قصة سليمان عليهالسلام : ﴿ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ﴾ (٣) أي من مجلسك. سماه مقاما ـ مع ذكره أنّ سليمان عليهالسلام كان جالسا فيه ـ لأنه قال ﴿ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ﴾ . وإنما سماه مقاما ، لأن القاعد إذا قام بعد قعوده ففيه يكون قيامه. وهذا من غرائب القرآن الكريم. وقد استقصينا الكلام على ذلك فى كتابنا الكبير.
وقوله سبحانه : ﴿ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ، وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ﴾ [١٧] فهذه استعارة. لأن المراد بذلك لو كان الموت الحقيقي ولم يكن (٤) سبحانه ليقول : ﴿ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ﴾ ، وإنما المعنى أن غواشى الكروب ، وحوازب الأمور
__________________
(١) سورة الرحمن. الآية رقم ٤٦.
(٢) لفظة « حاكم » ناقصة من الأصل. وقد وضعناها بين حاصرتين ، لأن السياق يقتضيها.
(٣) سورة النمل. الآية رقم ٣٩.
(٤) هذه العبارة غير واضحة كما هى. والمقصود أن الموت هنا مجاز لا حقيقة ، ولو كان الموت هنا حقيقة لم يكن سبحانه ليقول : ( وما هو بميت ) . ولعل الواو زائدة فى قوله « ولم يكن »