وإنما وصف الجبان بأنه لا قلب له ، لأن القلب محل الشجاعة ، وإذا نقى المحل فأولى أن ينتفى الحالّ فيه. وهذا على المبالغة فى صفته بالجبن. ويسمون الشيء إذا كان خاليا « هواء » ، أي ليس فيه ما يشغله إلا الهواء.
وعلى هذا قول الله سبحانه : (١) ﴿ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ﴾ أي خاليا من التجلد ، وعاطلا من التصبّر. وقيل أيضا : إن معنى ذلك أنّ أفئدتهم منحرفة (٢) لا تعى شيئا ، للرعب الذي دخلها ، والهول (٣) الذي استولى عليها. فهى كالهواء الرقيق فى الانحراف ، وبطلان الضبط والامتساك.
وقوله سبحانه : ﴿ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾ [٤٦] . وهذه استعارة على إحدى القراءتين. وهما : لتزول. بكسر اللام الأولى وفتح اللام الأخرى. ولتزول. بفتح اللام الأولى وضم الأخرى. وقرأنا بهذه القراءة للكسائى (٤) وحده ، وقرأنا لبقية السبعة القراءة الأولى.
فمعنى القراءة الأولى أن يكون موضع « أن » فيها موضع نعم ، لأنها قد ترد (٥) بهذا المعنى مثقلة : كقوله : ( إنّ وراكبها (٦) ) .
__________________
(١) سورة القصص. الآية رقم ١٠.
(٢) فى الأصل : مستحرفة.
(٣) فى الأصل : والقول الذي استولى عليها. ولا معنى للقول هنا. وإنما هو الهول المقابل للرعب.
(٤) الكسائي : هو على بن حمزة الكوفي ، أحد القراء السبعة. وإمام مدرسة فى النحو واللغة مشهورة. وكان مؤدبا للرشيد العباسي وابنه الأمين. توفى سنة ١٨٩ بمدينة الري.
(٥) فى الأصل : قد تردد. وهو تحريف من الناسخ.
(٦) هذا هو ما ردّ به ابن الزبير رضى الله عنه لمن قال له : لعن الله ناقة حملتنى إليك. فقال ابن الزبير : إنّ وراكبها. أي : نعم ! ولعن راكبها. وهو من شواهد كتب معانى الحروف. انظر « مغنى اللبيب » ج ١ ص ٣٦.