بقوله : ﴿ الَّتِي كُنَّا فِيهَا ﴾ على اللفظ كما يقول القائل : قامت تلك الطائفة ، وتفرقت تلك الجماعة ، على اللفظ. ويحسن منه أن يقول عقيب هذا الكلام : وأكلوا ، وشربوا ، وركبوا ، وذهبوا ، حملا على المعنى دون اللفظ. كما قال تعالى : ﴿ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ ﴾ . ثم قال سبحانه : ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ ﴾ على المعنى.
وكذلك القول فى العير ، فإنما أنّث ضميرها على اللفظ ، لأن العير مؤنثة.
قال تعالى فى هذه السورة : ﴿ وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ ﴾ [٩٤] .
وقوله سبحانه : ﴿ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ﴾ [٨٧] وهذه استعارة. والمراد ولا تيأسوا من فرج الله. والرّوح هو تنسيم الريح ، التي يلذّ شميمها ، ويطيب نسيمها. فشبه تعالى الفرج الذي يأتى بعد الكربة ، ويطرق بعد اللزبة (١) بنسيم الريح الذي ترتاح القلوب له ، وتثلج الصدور به. ومثل ذلك ما جاء فى الخبر : ( الريح من نفس الله ) (٢) أي من تنفيسه عن خلقه. يريد سبحانه أن القلوب تستروح إليها ، كما يستروح المكروب إلى نفسه ، وذو الخناق إلى تنفسه.
وقوله سبحانه : ﴿ أَفَأَمِنُوا أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللَّهِ ﴾ [١٠٧] . وهذه استعارة. والمراد بذلك المبالغة فى صفة العذاب بالعموم لهم ، والإطباق عليهم ، كالغاشية التي تشتمل على الشيء ، فتجلله من جميع جنباته ، وتستره عن العيون من كل جهاته.
__________________
(١) اللزبة : الشدة والقحط. يقال سنة لزبة أي شديدة.
(٢) وفى « نهاية الأرب » ج ١ ص ٩٥ روى عن رسول الله أنه قال ( الريح من روح الله تعالى تأتى بالرحمة وتأتى بالعذاب ، فلا تسبوها ، واسألوا الله خيرها ، واستعيذوا بالله من شرها ) أخرجه البيهقي فى سننه.