ولكن الإنسان لما كان يتبع دواعيها إلى الشهوات ، وينقاد بأزمتها إلى المقبّحات ، كانت بمنزلة الآمر المطاع ، وكان الإنسان بمنزلة السامع المطيع. وإنما قال سبحانه : ﴿ لَأَمَّارَةٌ ﴾ . ولم يقل لآمرة ، مبالغة فى صفتها بكثرة الدفع فى المهاوى ، والقود إلى المغاوى. لأن « فعّالا » (١) من أمثلة الكثير ، كما أن « فاعلا » من أمثلة القليل.
وقوله سبحانه : ﴿ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ﴾ [٧٦] . وهذه استعارة. لأنه ليس هناك على الحقيقة بناء يوطد ، ولا درجات تشيد. وإنما المراد به تعلية (٢) معالم الذكر فى الدنيا ، ورفع منازل الثواب فى الآخرة.
وقوله سبحانه : ﴿ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا ﴾ [٨٢] . وهذه استعارة من مشاهير الاستعارات. والمراد : واسأل أهل القرية التي كنا فيها ، وأصحاب العير التي أقبلنا فيها. ومما يكشف عن ذلك قوله تعالى فى السورة التي يذكر فيها الأنبياء عليهمالسلام : ﴿ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ ، إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ ﴾ (٣) . والقرية هى الأبنية المفروشة ، والخطط المسكونة لا يصح منها عمل الخبائث ، فعلم أن المراد بذلك أهلها. ومن الشاهد على ذلك أيضا. قوله سبحانه : ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ (٤) . وقال بعضهم : إن القرية هى الجماعة المجتمعة ، لا الأبنية المشيدة. وذلك مأخوذ من قولهم : قرى الماء فى الحوض. إذا جمعه. والعير : هى الإبل وفيها أصحابها. وإنما أنث سبحانه ضمير القرية
__________________
(١) فعال : أي الصيغة التي على وزن فعال. وهذه تدل على الكثرة والمبالغة فالرجل القتال هو الكثير القتل.
(٢) فى الأصل ( لعلبه ) بدون إعجام الحروف.
(٣) سورة الأنبياء. الآية رقم ٧٤.
(٤) سورة الأنبياء. الآية رقم ٧٧.