وأنشدنى السجستاني عن أبى عبيدة فى مثل قول الله : (يريد أن ينقضّ):
يريد الرمح صدر أبى براء |
|
و يرغب عن دماء بنى عقيل |
وأنشد الفرّاء :
إن دهرا يلف شملى يجمل |
|
لزمان يهمّ بالإحسان |
والعرب تقول : بأرض فلان شجر قد صاح ، أي طال. لما تبين الشجر للناظر بطوله ودل على نفسه ، جعله كأنه صائح ، لأن الصائح يدل على نفسه بصوته ] (١) .
فهذا السبيل الذي سلكه ابن قتيبة فى مجازات القرآن هو السبيل الذي أفضى إلى تطور الدراسات البلاغية البيانية عند ابن المعتز ( المتوفى سنة ٢٩٦ ه ) وعند الشريف الرضى فى كتابه هذا الذي نقدم له ، وعند الجرجاني ( المتوفى سنة ٤٧١ ه ) وهو مؤلف « أسرار البلاغة » ، في علم البيان ، و « دلائل الإعجاز » فى علم المعاني ، وعند السكاكي ( المتوفى سنة ٦٢٦ ه ) حين ألف كتابه المشهور : « مفتاح العلوم » ، وعند ابن الأثير (٢) ( المتوفى سنة ٦٣٧ ه ) حين ألف كتابيه المشهورين : « المثل السائر » ، و « البرهان فى علم البيان » .
أما الباب الذي عقده ابن قتيبة للاستعارة فى كتابه « تأويل مشكل القرآن » فهو لا يقل إمتاعا ولا فائدة عن باب المجاز ، وتكاد ألفاظه تكون هى الألفاظ التي استعملها البيانيون بعد هذا. أسمعه مثلا وهو يقول : [ فالعرب تستعير الكلمة فتضعها مكان الكلمة إذا كان المسمى بها بسبب من الأخرى أو مجاورا لها أو مشاكلا. فيقولون للنبات : نوء. لأنه يكون عن النوء عندهم ... ويقولون للمطر : سماء. لأنه من السماء ينزل ، فيقال : ما زلنا نطأ السماء حتى أتيناكم. قال الشاعر :
إذا سقط السماء بأرض قوم |
|
رعيناه وإن كانوا غضابا |
__________________
(١) المصدر نفسه ص ١٠٠.
(٢) هو ضياء الدين بن الأثير.