﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا ﴾ فوكد بالمصدر معنى الكلام ، ونفى عنه المجاز ] (١) .
ويدافع ابن قتيبة عن المجاز فى القرآن دفاعا قويا فيقول : [ وأما الطاعنون على القرآن بالمجاز فإنهم زعموا أنه كذب ، لأن الجدار لا يريد (٢) ، والقرية لا تسأل (٣) . وهذا من أشنع جهالاتهم. وأدلها على سوء نظرهم وقلة أفهامهم ، ولو كان المجاز كذبا ، وكل فعل ينسب إلى غير الحيوان باطلا ، كان أكثر كلامنا فاسدا. لأنا نقول : نبت البقل ، وطالت الشجرة ، وأينعت الثمرة ، وأقام الجبل ، ورخص السعر. ونقول : كان هذا الفعل منك فى وقت كذا وكذا ، والفعل لم يكن وإنما كوّن. ونقول : كان الله. وكان بمعنى حدث ، والله جل وعز قبل كل شىء بلا غاية ، لم يحدث فيكون بعد أن لم يكن.
والله تعالى يقول : ﴿ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ ﴾ وإنما يعزم عليه.
ويقول تعالى : ﴿ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ ﴾ وإنما يربح فيها.
ويقول : ﴿ وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ﴾ وإنما كذّب به ] (٤) :
ويصل ابن قتيبة فى دفاعه عن المجازات فى القرآن إلى قمة الدفاع حين يقول : [ ولو قلنا للمنكر لقوله : ﴿ جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ ﴾ : كيف كنت أنت قائلا فى جدار رأيته على شفا انهيار : رأيت جدارا ما ذا ؟ لم يجد بدا من أن يقول : جدار ايّهم أن ينقض ، أو يكاد أن ينقض ، أو يقارب أن ينقض. وأيّاما فقد جعله فاعلا. ولا أحسبه يصل إلى هذا المعنى فى شىء من لغات العجم إلا بمثل هذه الألفاظ.
__________________
(١) المصدر نفسه ص ٨٢.
(٢) إشارة إلى قوله تعالى فى سورة الكهف : « فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه. »
(٣) إشارة إلى قوله تعالى فى سورة يوسف : « واسأل القرية التي كنا فيها » .
(٤) تأويل مشكل القرآن ص ٩٩.