وقوله سبحانه : ﴿ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ ﴾ [٢٨] الآية. وهذه استعارة. لأن الرحمة لا توصف بالعمى وإنما يوصف الناس بالعمى عن تمييز مواقعها ، وإدراك مواضعها. فلما وصفوا بالعمى عنها حسن أن يوصف بذلك فى القلب (١) . كما يقال : أدخلت الخاتم فى إصبعى ، والمغفر فى رأسى. وإنما الأصبع دخلت فى الخاتم ، والرأس دخل فى المغفر. وقد يجوز أن يكون قوله سبحانه : ﴿ فَعُمِّيَتْ ﴾ (٢) ﴿ عَلَيْكُمْ ﴾ . بمعنى خفيت عليكم ، كما يقول القائل : قد عمى علىّ خبرهم. وعمى علىّ أثرهم. أي خفى عنى الأثر والخبر.
وقوله سبحانه : ﴿ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ ﴾ (٣) ﴿ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا ﴾ [٣١] . وهذه استعارة. كما يقول القائل : اقتحمت فلانا (٤) عينى ، واحتقره طرفى. إذا قبح فى منظر عينه خلقة ، وصغر دمامة. ليس أن العين على الحقيقة يكون منها الاحتقار ، أو يجوز عليها الاستصغار.
وقوله سبحانه : ﴿ وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ ، إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ ﴾ [٣٤] وذكر الإغواء هاهنا من قبيل الاستعارة وإن لم يكن من صريحها. وكذلك لفظ المكر ، والاستهزاء ، وما يجرى هذا المجرى. لأن المراد بمعاني هذه الألفاظ غير المراد بظواهرها. فالمتعارف من الإغواء هو الدعاء إلى الغى والضلال. وذلك غير جائز على الله سبحانه ، لقبحه وورود أمره بضده. والمراد إذن بالإغواء هاهنا تخييبه سبحانه
__________________
(١) ليس القلب هنا بمعنى الجارحة التي فى الجسم ، ولكنه القلب اللفظي والمعنوي ، كما تقول : أدخلت الخاتم فى الأصبع بدلا من أدخلت الأصبع فى الخاتم.
(٢) فعميت بالتشديد هى قراءة الأعمش وحمزة والكسائي.
(٣) فى الأصل « الذي » بصيغة المفرد ، وهو تحريف من الناسخ. والصواب » للذين بصيغة الجميع.
(٤) فى الأصل : فلان وهو تحريف من الناسخ.