قلوبهم ، ومرامز أعينهم ، ومحاذف (١) ألسنتهم.
وقوله سبحانه وتعالى : ﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَا (٢) الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ ﴾ [٩] وهذه استعارة لأن إذاقة الرحمة ونزعها ليسا بحقيقة هاهنا. وإنما المراد بذلك أنا إذا رحمنا الإنسان بعد توبته من مواقعة [ فى ] (٣) بعض الذنوب فقبلنا متابه ، وأسقطنا عقابه ، ثم واقع بعد ذلك ذنبا آخر ، واستحق أن نعاقبه وأن نزيل رحمتنا عنه ، يئس من الرحمة وقنط من المغفرة. وليس الأمر كذلك ، لأنه إذا عاود الإقلاع ، أمن الإيقاع.
وقد أخرج هذا الكلام مخرج الذم لمن يواقع المعصية ، فيقنط من قبول التوبة. فمعنى أذقنا الإنسان منا رحمة. أي عرّفناه أنا قد رحمناه. إذ قد أوجبنا قبول التوبة إذا أخلص العبد فيها ، وأتى بها على شروطها وحدودها.
ومعنى ﴿ ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ ﴾ أي أزلنا عنه رحمتنا لأجل اقترافه المعصية التي اقترفها فى المانى (٤) . وقد يجوز أن يكون المراد بالرحمة هاهنا ـ والله أعلم ـ النعمة والسرّاء. ويكون انتزاعها منه بمعنى إبداله بها الشدة والضرّاء ، إجراء له فى مضمار الابتلاء والاختبار ، أو مصلحة يكون معها أقرب إلى الإصلاح (٥) والرشاد. ومما يقوّى ذلك قوله تعالى بعد هذه الآية : ﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي ، إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ﴾ [١٠]
__________________
(١) هكذا بالأصل. ولعلها مرامى الالسنة بالكلام كما يحذف بالحجر أي يرمى به
(٢) فى الأصل « وإذا أذقنا » وهو تحريف من الناسخ الذي كثر تحريفه حتى فى النص القرآنى. والصواب « ولئن أذقنا » .
(٣) هذه اللفظة بالأصل. ولعلها زائدة لأن المعنى يستقيم بدونها ، ولهذا وضعناها بين حاصرتين.
(٤) هكذا بالأصل ، ولم نهتد إلى تصويب لها.
(٥) فى المتن : الإصلاح ، وقد غيرت فى الهامش إلى « الصلاح » بدلا منها.