تفسيرا مجازيا فيقول : [ ولو كان المسيح قال هذا فى نفسه خاصة دون غيره ، ما جاز لهم أن يتأولوه هذا التأويل فى الله ـ تبارك وتعالى عما يقولون علوا كبيرا ـ مع سعة المجاز ، فكيف وهو يقوله فى كثير من المواضع لغيره ؟ كقوله حين فتح فاه بالوحى : « إذا تصدقت فلا تعلم شمالك بما فعلت يمينك ، فإن أباك الذي يرى الخفيات يجزيك به علانية ، وإذا صليتم فقولوا : يا أبانا الذي فى السماء ! ليتقدس اسمك ، وإذا صمت فاغسل وجهك وادهن رأسك لئلا يعلم بذلك غير أبيك » . وقد قرءوا فى الزبور أن الله تبارك وتعالى قال لداود عليهالسلام : « سيولد لك غلام يسمى لى ابنا ، وأسمى له أبا » وفى التوراة أنه قال ليعقوب عليهالسلام : « أنت بكرى. وتأويل هذا أنه فى رحمته وبره وعطفه على عباده الصالحين كالأب الرحيم لولده ] (١).
والحق أن الاشتغال بفهم القرآن الكريم ومدارسته وتفسيره كان سببا قويا لظهور هذه المجادلات المجازية الاستعارية ظهورا متميزا فى عصر ابن قتيبة ، وهو عصر بدأ علم الكلام فيه يتميز بظهور طائفة من المتكلمين من أمثال ابن الهذيل العلاف ( المتوفى سنة ٢٣٥ ) وأبى على محمد بن عبد الوهاب الجبائي ( المتوفى سنة ٣٠٣ ) . فقد كان علماء الكلام شديدى الجدل أقوياء العارضة ، وكانت لهم فى الله وصفاته وأفعاله وذاته وفى العدل والجبر والاختيار آراء لا بد لها من الفهم البياني القوى ليؤيدوا بها وجهات نظرهم. فحين يلتقى المفسرون يقوله تعالى : ﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا ﴾ فمنهم من يقول بالكلام على وجه الحقيقة لا على سبيل المجاز ، بدليل توكيد الفعل بالمصدر تكليما ، ومنهم من يقول بالكلام على وجه المجاز. ويقول ابن قتيبة فى إرادة الكلام هنا على حقيقته : [ إن أفعال المجاز لا تخرج منها المصادر ولا توكد بالتكرار. فتقول : أراد الحائط أن يسقط ، ولا تقول : أراد الحائط أن يسقط إرادة شديدة. وقالت الشجرة فمالت ولا تقول : قالت الشجرة فمالت قولا شديدا. والله تعالى يقول :
__________________
(١) تأويل مشكل القرآن ص ٧٦