وهذه استعارة عجيبة. وقد أومأنا إلى نظيرها فيما تقدم. وذلك أنه سبحانه ـ إنما سمّى النهار مبصرا ، لأن الناس يبصرون فيه ، فكأن ذلك صفة الشيء بما هو سبب له ، على طريق المبالغة. كما قالوا : ليل أعمى ، وليلة عمياء. إذا لم يبصر الناس فيها شيئا لشدة إظلامها.
وقوله : ﴿ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ، ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ﴾ [٧١] . على قراءة من قرا : ﴿ فَأَجْمِعُوا ﴾ (١) . من الجمع ، لا على قراءة من قرأ : ﴿ فَأَجْمِعُوا ﴾ من الإجماع. وهذه استعارة. والمعنى : اشتوروا فى أمركم ، وأجمعوا له بالكم ، وبالغوا فى قدح الرأى بينكم ، حتى لا يكون أمركم غمة عليكم (٢) . أي مغطى تغطية حيرة ، ومبهما إبهام جهالة ، فيكون عليكم كالغمة العمياء ، والطخية الظلماء. وذلك مأخوذ من قولهم : غمّ الهلال. إذا تغطى ببعض الموانع التي تمنع من رؤيته. ثم افعلوا بي ما أنتم فاعلون.
وهذه حكاية لقول نوح عليهالسلام لقومه. ويخرج الكلام منه على الاستقلال لكيدهم ، وقلة الحفل باستجماعهم واحتشادهم.
وقوله سبحانه. ﴿ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ ﴾ [٨٨] . وهذه استعارة. لأن حقيقة الطمس محو الأثر. من قولهم : طمست الكتاب. إذا محوت سطوره. وطمست الريح ربع الحىّ. إذا محت رسومه. فكأنّ موسى عليهالسلام إنما دعا الله سبحانه بأن يمحو معارف أموالهم بالمسح لها ، حتى لا يعرفوها ، ولا يهتدوا إليها ، وتكون منقلبة عن حال الانتفاع بها ، لأن الطمس تغيّر حال الشيء إلى الدثور والدروس.
__________________
(١) هى قراءة عاصم الجحدري ، بوصل الألف وفتح الميم. من جمع يجمع
(٢) ومنه قول الشاعر الجاهلى طرفة :
لعمرك ما أمرى على بغمة |
|
نهارى ، ولا ليلى على بسرمد |