استعارة ظاهرة. وذلك أن السّورة لا تزيد الأرجاس (١) رجسا ، ولا القلوب مرضا ، بل هى شفاء للصدور ، وجلاء للقلوب. ولكن المنافقين لما ازدادوا عند نزولها عمى وعمها وازدادت قلوبهم ارتيابا ومرضا ، حسن أن يضاف ذلك إلى السورة ، على طريق لأهل اللسان معروفة.
وقد استقصينا الكلام على ذلك فى عدة مواضع من كتابنا الكبير. فمن أراد بلوغ أقاصى هذه الطريقة ، والضرب فى أقطارها والتفسح فى أعطانها ، فليتتبع مواضعها من ذلك الكتاب بمشيئة الله.
وقوله تعالى : ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ﴾ [١٢٨] وهذه استعارة. والمراد بأنفسكم هاهنا ـ والله أعلم ـ أي من جنس أنفسكم وخلقكم ، لتكونوا إليه أسكن ، وإلى القبول منه أقرب. ويجوز أن يكون من أنفسكم أي من قبيلكم وعشيرتكم ، كما يقول القائل : فلان من أنفس بنى فلان. أي من صميم أنسابهم ، وليس من وسائطهم وملاصقهم.
وقد يجوز أن يكون المراد برسول من أنفسكم ، أي من أشقائكم وأعزّائكم ، كما يقول القائل لذى ودّه والقريب من قلبه : أنت من نفسى ، وأنت من قلبى. أي أنت شقيق النفس ، وقسيم القلب.
ومما يقوّى ذلك قوله سبحانه : ﴿ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ، حَرِيصٌ عَلَيْكُم ، بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [١٢٨] أي بحبّه لكم ، وميله إليكم ، يعزّ عليه أن تعنتوا وتعاندوا فتحرموا الثواب ، وتستحقوا (٢) العقاب ، فهو حريص على إيمانكم رأفة بكم وإشفاقا عليكم.
__________________
(١) فى الأصل « لا تزيد الأرجاس إلا رجسا » وإلا زائدة من الناسخ بها ينقلب المعنى إلى الضد. والصواب حذفها كما أثبتناه.
(٢) فى الأصل « ويستحقوا » بضمير الغائبين والصواب « وتستحقوا » بضمير المخاطبين كما أثبتناه