جرف هار متقوض ، وأساس واه منتقض ، فكأنما انهار بهم فى نار جهنم ، أي أسقطهم ذلك الفعل فى عذاب النار ، ودائم العقاب. وهذه من أحسن الاستعارات.
وقوله تعالى : ﴿ لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ ﴾ [١١٠] فهذه استعارة. ومعناها أن ذكر البنيان الذي بنوه لا يزال ريبة فى قلوبهم ، يخافون معها إنزال الله بهم ضروب العقاب ، أو بسط المؤمنين عليهم لما ظاهروهم من العناد والشقاق. فهم أبدا بنفوسهم مستريبون ، وعليها خائفون مشفقون. فلا يزالون على ذلك إلا أن تقطع قلوبهم حسرة ، وتزهق نفوسهم خيفة.
وقوله تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ﴾ [١١١] وهذه استعارة. وذلك أنه سبحانه لما أمرهم ببذل نفوسهم وأموالهم فى الجهاد عن دينه ، والمنافحة عن رسوله عليهالسلام ، وضمن لهم على ذلك الخلود فى النعيم ، والأمان من الجحيم ، كانت نفوسهم وأموالهم بمنزلة العروض المبيعة ، وكانت الأعواض المضمونة عنها بمنزلة الأثمان المنقودة ، وكانت الصفقة رابحة لزيادة الأثمان على السلع ، وإضعاف الأعواض على القيم.
وجملة هذا الباب أن العبادات كلّها كالتجارات ، فى أنها طلب للمنافع. فالعبادات (١) طلب لمنافع الآخرة ، والتجارات طلب لمنافع الدنيا.
وقوله تعالى : ﴿ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ﴾ [١١٧] وهذه استعارة. لأن حقيقة الزّيغ الاعوجاج والميل. والمراد : من بعد ما كادت قلوبهم تزول من عظم الخيفة ،
__________________
(١) فى الأصل « بالعبادات » وهو تحريف من الناسخ