وقوله سبحانه : ﴿ وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ ، عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ﴾ [٩٨] . وهد استعارة ....... (١) عليهم أيام السوء ، لأن الأيام والشهور قد تسمى دوائر ، على طريق الاستعارة. فليس لأنها ترجع بأعيانها ، وإنما تعود أشباهها وأمثالها ، فشهر كشهر ، ويوم كيوم ، وساعة كساعة ، وسنة كسنة. يقال دارت السنون ، ودارت الشهور على هذا المعنى. إلا أن هذه اللفظة ، أعنى الدائرة والدوائر ، قد اختص ذكرها بالمواضع المكروهة. فيقال : دارت عليهم الدوائر ، إذا أهلكتهم الأيام ، وأفنتهم الأعوام. ويقال : دارت لهم الدنيا. إذا وصفوا بمواتاة الإقبال ، وانتظام الأحوال. فكأنّ التمييز فى الخير أو الشر إنما يقع بقولنا : دارت لهم ، ودارت عليهم.
وقوله سبحانه : ﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ ، فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ﴾ [١٠٩] وهذه استعارة. والمراد بها ذكر ما بناه المنافقون من مسجد الضرار (٢) ، بعد ما بنى المؤمنون من المسجد المعروف بمسجد قباء (٣) . لأن المؤمنين وضعوا هذا البناء ، وهم مؤمنون متقون ، عارفون موقنون ، فكأنهم وضعوه على قواعد من الإيمان ، وأساس من الرضوان. والمنافقون إنما وضعوا ذلك البناء كيدا للمؤمنين ، وإرصادا للمسلمين. فكأنهم وضعوه على شفا
__________________
(١) هنا سطران ممحوان محوا تاما.
(٢) مسجد الضرار ، هو المسجد الذي بناه المنافقون بقباء لإضرار المسلمين وتفريق كلمتهم ، وقد سألوا النبي عند رجوعه من تبوك أن يأتى مسجدهم هذا ليصلى فيه ، فأنزل الله فيه قوله تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ، وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ . لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ﴾ . وقد أمر النبي عليهالسلام بهدم هذا المسجد الظالم أهله ، فحرق وهدم واتخذ موضعه مكانا للقمامة.
(٣) مسجد قباء هو المسجد الذي أسسه النبي على التقوى من أول يوم نزل فيه قباء ، وهى بلدة على بعد ميلين من جنوب المدينة.