ابن قتيبة ومجازات القرآن
جاء بعد الجاحظ تلميذه أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة ( المتوفى سنة ٢٧٦ ) ، ويشير ابن قتيبة إلى هذا التتلمذ على الجاحظ بقوله فى « عيون الأخبار » مثلا فى أكثر من موضع : [ وفيما أجاز لنا عمرو بن بحر من كتبه ، قال ] (١) .
وقد توسع التلميذ فى نظرته إلى الاستعارة والمجاز أكثر من أستاذه قليلا ، وخطا باللمع البيانية عند أستاذه الجاحظ خطوة وسعت دلالات كثير من الألفاظ والاصطلاحات التي أخذت تظهر بعد ذلك بالتدريج فى علوم البلاغة ، فنراه يقول فى كتابه « تأويل مشكل القرآن » : [وللعرب المجازات فى الكلام ، ومعناها طرق القول ومآخذه. ففيها الاستعارة ، والتمثيل ، والقلب ، والتقديم ، والتأخير ، والحذف ، والتكرار ، والإخفاء ، والإظهار ، والتعريض ، والإفصاح ، والكناية ، والإيضاح ، ومخاطبة الواحد مخاطبة الجميع ، والجميع خطاب الواحد ، والواحد والجميع خطاب الاثنين ، والقصد بلفظ الخصوص لمعنى العموم ، وبلفظ العموم لمعنى الخصوص ، مع أشياء كثيرة سنراها فى أبواب المجاز ، إن شاء الله تعالى] (٢) .
ثم نراه يعقد بعد ذلك بابين أولهما فى « المجاز » وثانيهما فى « الاستعارة » فيتحدث عن المجاز فى القرآن ، ويكثر من الأمثلة القرآنية يخرجها تخريجا مجاز يا يبعدها عن الاصطدام بالحقيقة ، ولا يكتفى بالقرآن وحده ، وإنما يذهب إلى الإنجيل فينكر من يرون من النصارى أبوة الولادة فى قول المسيح عليهالسلام : ( أدعو أبى ، وأذهب إلى أبى ) (٣) ، ويفسر هذا القول
__________________
(١) عيون الأخبار ج ٣ ص ١٩٩ ، ٢١٦ ، ٢٤٩.
(٢) تأويل مشكل القرآن. طبع عيسى الحلبي ص ١٥ ، ١٦.
(٣) المصدر نفسه ص ٧٦.