وقوله تعالى : ﴿ تُولِجُ (١) اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ﴾ [٢٧] وهذه استعارة ، وهى عبارة عجيبة عن إدخال هذا على هذا ، وهذا على هذا. والمعنى أن ما ينقصه من النهار يزيده فى الليل ، وما ينقصه من الليل يزيده فى النهار. ولفظ الإيلاج هاهنا أبلغ ، لأنه يفيد إدخال كلّ واحد منهما فى الآخر ، بلطيف الممازجة ، وشديد الملابسة.
وقوله تعالى : ﴿ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ ﴾ [٣٩] وهذه استعارة. لأن المراد بهذا القول عيسى عليهالسلام. والعلماء مختلفون فى هذه اللفظة ، وقد استقصينا الكلام على ذلك فى كتاب « حقائق التأويل » . فمن بعض ما قيل فى ذلك أن بشارة الله تعالى سبقت بالمسيح عليهالسلام فى الكتب المتقدمة ، والنذرات السالفة ، فأجرى تعالى اسم « الكلمة » عليه لتقدّم البشارة به. والبشارة إنما تكون بالكلام.
وقوله تعالى : ﴿ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ ، وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [٥٤] . وهذه استعارة. لأن حقيقة المكر لا تجوز عليه تعالى. والمراد بذلك إنزال العقوبة بهم جزاء على مكرهم. وإنما سمّى الجزاء على المكر مكرا للمقابلة بين الألفاظ على عادة العرب فى ذلك. قد استعارها لسانهم ، واستعادها بيانهم.
وقوله تعالى : ﴿ آمِنُوا بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ ﴾ [٧٢] وهذه استعارة. والمراد أول النهار. ولم يقل رأس النهار. لأن الوجه والرأس وإن اشتركا فى كونهما أول الشيء ، فإن فى الوجه زيادة فائدة ، وهى أنّ به تصح المواجهة. ومنه تعرف حقيقة الجملة.
__________________
(١) فى الأصل : يولج بالياء المثناة التحتية ، وهو تحريف من الناسخ للآية الكريمة. والصواب : تولج بالتاء المثناة الفوقية. أما ﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ ﴾ بالياء المثناة التحتية ، فهى فى سورة الحج ولقمان والحديد وفاطر.