عن التحذير من طاعة الشيطان فيما يأمر به ، وقبول قوله فيما يدعو إلى فعله. فهذه من شرائف الاستعارات.
وقوله تعالى : ﴿ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ ﴾ [١٧٤] . وهذه استعارة. كأنهم إذا أكلوا ما يوجب العقاب بالنار كان ذلك المأكول مشبها بالأكل من النار. وقوله سبحانه : ﴿ فِي بُطُونِهِمْ ﴾ : زيادة معنى ، وإن كان كل آكل إنما يأكل فى بطنه ، وذلك أنه أفظع سماعا ، وأشدّ إيجاعا. وليس قول الرجل للآخر : إنك تأكل النار ، مثل قوله : إنك تدخل النار فى بطنك.
وقوله تعالى : ﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ ﴾ [١٧٥] وقد مضى نظير ذلك ، وأمثاله كثيرة فى هذه السورة وغيرها.
وقوله تعالى فى ذكر النساء : ﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ﴾ [١٨٧] . واللباس هاهنا مستعار ، والمراد به قرب بعضهم من بعض واشتمال بعضهم على بعض ، كما تشتمل الملابس على الأجسام (١) . وعلى هذا المعنى كنوا عن المرأة بالإزار.
وقوله سبحانه : ﴿ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ﴾ [١٨٧] وهذه استعارة ، لأن خيانة الإنسان نفسه لا تصح على الحقيقة ، وإنما المراد أنه سبحانه خفّف عنهم التكليف فى ليالى الصيام ، بأن أباحهم فيها مع أكل الطعام وشرب الشراب الإفضاء إلى النساء ، ولو منعهم من ذلك لعلم أن كثيرا منهم يخلع عذار الصبر ، ويضعف عن مغالبة النفس ، فيواقع المعصية بفعل ما حظر عليه من غشيان
__________________
(١) استشهد ابن قتيبة فى كتابه « تأويل مشكل القرآن » بقول النابغة الجعدي :
إذا ما الضجيع ثنى جيده |
|
تثنت عليه فكانت لباسا |
على أن اللباس معناه أن المرأة والرجل يتضامان فيكون كل واحد منها للآخر بمنزلة اللباس.