و إن الله ذاق حلوم قيس |
|
فلما ذاق خفتها قلاها |
رآها لا تطيع لها أميرا |
|
فخلّاها تردد فى خلاها |
فزعم أن الله عزوجل يذوق .... وللعرب إقدام على الكلام ، ثقة بفهم أصحابهم عنهم ، وهذه أيضا فضيلة أخرى.
وكما جوزوا لقولهم أكل وإنما عضّ ، وأكل وإنما أفنى ، وأكل وإنما أحاله ، وأكل وإنما أبطل عينه ـ جوزوا أيضا أن يقولوا : ذقت ما ليس بطعم ، ثم قالوا : طعمت لغير الطعام. وقال العرجى :
و إن شئت حرّمت النساء سواكم |
|
و إن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا |
وقال الله تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ ، فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي ، وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي ﴾ يريد : لم يذق طعمه ] (١) .
فالمجاز عند الجاحظ هو استعمال اللفظ فى غير ما وضع له ، على سبيل التوسع من أهل اللغة ، ثقة من القائل بفهم السامع.
وقد حلت هذه النظرة الجاحظية البيانية كثيرا من المشكلات التي قامت بسبب التعبيرات القديمة. فقد أنكر المنكرون وعلى رأسهم الحسن قول القائل : طلع سهيل ، أو برد الليل ، وقالوا فى إنكارهم : إن سهيلا لم يأت بحر ولا ببرد. وكره مالك بن أنس أن يقول الرجل عن الغيم والسحاب : ما أخلقها للمطر ! ولكن الجاحظ يرى أن إخراج الكلام على وجه المجاز يحلّ المشكلة ويقيم الكلام على وجه سليم ، فهو يقول عن التعبير الأول : ولهذا الكلام مجاز ومذهب. وهو يقول عن التعبير الثاني : وهذا كلام مجازه قائم ، ويقول عن مثال آخر مما ينكره المنكرون : وهذا الكلام مجازه عند الناس سهل.
والحق أن الجاحظ قاس هذه العبارات على نظائرها فى كلام العرب فوجد لها دعامة من
__________________
(١) المصدر نفسه ص ٣١ ، ٣٢.