الصحة وسندا من القياس السماعي الصحيح ، فإن العرب من قديم تقول : جاءت السماء اليوم بأمر عظيم. والشاعر العربي يقول :
إذا سقط السماء بأرض قوم |
|
رعيناه وإن كانوا غضابا |
ولكن المنكرين أنكروا لمعنى دينى قائم فى نفوسهم ، وهو إسناد الأفعال جميعها إلى الله تعالى ، تنزيها له عن أن يشركه غيره في فعل ، أو يشاركه فى خلق ، فاحتج لهم الجاحظ بشواهد من اللغة تجيز ما ذهبوا إليه من الاستعمال. أما لفظة « استعارة » التي يكررها الشريف الرضى فى كل آية فيها مجاز ، فقد كان الجاحظ ـ فيما نعلم ـ أول من استعملها بمعنى تسمية الشيء باسم غيره إذا قام مقامه. فكان بذلك ـ أيضا ـ ممهدا للبيانيين ، ورائدا فى البلاغة العربية. فإن هذه اللفتات البيانية الوجيزة كانت الأساس الذي بنى عليه صرح البيان العربي ، وأخذه الأعاجم فجعلوا منه موضوعا عتيدا لصناعة البيان والبلاغة.
وتصادفنا فى بعض كتب الجاحظ أمثال هذه الإشارات البيانية الاستعارية ، كقوله : [ وقال عزوجل : ﴿ هَٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ ﴾ والعذاب لا يكون نزلا. ولكن لما قام العذاب لهم فى موضع النعيم لغيرهم سمى باسمه ... وقال الله عزوجل : ﴿ وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ﴾ وليس فى الجنة بكرة ولا عشى ، ولكن على مقدار البكر والعشيات. وعلى هذا قول الله عزوجل : ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ﴾ والخزنة الحفظة ، وجهنم لا يضيع منها شىء فيحفظ ، ولا يختار دخولها إنسان فيمنع منها ، ولكن لما قامت الملائكة مقام الحافظ الخازن سميت به ] (١) .
وكقوله وهو يشرح أرجوزة يقول فيها صاحبها :
و طفقت سحابة تغشاها |
|
تبكى على عراصها عيناها |
__________________
(١) البيان والتبين ج ١ ص ١٥٣. طبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر