وعن أبي عمرو الشيباني : كنت أجلس إلى ابن مسعود حولاً لايقول : قال رسول الله ، فإذا قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله ، استقلّته رعدة وقال : هكذا أو نحوذا ، أو قريب من ذا ، وكان عبد الله بن مسعود هذا يؤثر الفتوى برأيه (١) .
هذا مسلك عبدالله بن مسعود وغيره ، أمّا مسلك مالك فعكس الأمر تماماً ، إذ أخذ بالحديث ضعيفه ومرسله ومقطوعه ومرفوعه ، وإذا عجز أخذ بالرأي ، وبهذا يكون قد مثّل اتّجاه الحديث في مقابل اتّجاه الرأي الذي مثّله عبدالله بن مسعود. وإن كان مالك يأخذ بالرأي كثيراً فهذا يدلّ على إعوازه النصوص حتّى الضعاف منها. وهذا من آثار منع التدوين وإتلاف المدوّن والذي كان من تلبيس إبليس كما قاله ابن الجوزي.
فالصحابة بين مأزقين إمّا أن ينسبوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله الحديث ، أو يقولون برأيهم ، وكلاهما غير الدين الذي جاء به سيّد المرسلين ، ألا تنظر إلى قول بعضهم : إنّ لي شيطاناً يعتريني.
فهذا حال السنّة في زمان عبدالله بن مسعود ، وهذا حال فتوى أهل المدينة أو فتوى الصحابة التي جعلها العامّة مرجعاً لهم في الفتوى بعد الكتاب والسنّة ، وهذا حال الصحابة. ثمّ جاء بعدهم مَنْ جاء من التابعين فكانوا كحالهم.
أدلّة الأحكام عند الإمامية :
لا خلاف بين الشيعة الإمامية بأنّ مصادر الاستنباط عندهم عبارة عن الكتاب والسنّة والإجماع والعقل (٢) ، والثلاثة الأُولى هي مصادر الاستنباط
__________________
(١) أبو حنيفة حياته وعصره وآراؤه الفقهية : ٨٣ـ٨٤.
(٢) السرائر ١ : ٤٦.