عند العلماء والفقهاء من الصحابة لا يخرجون إلاّ وهم متّصلون بها اتّصالاً علميّاً ، ويتراسلون في المسائل التي تحدث؛ لأنّ سنّة عمر كانت تقضي باحتجاز كبار الصحابة من قريش داخل ربوع الحجاز لا يعدوه كبراؤهم ، فلا يتجاوز الحرّتين كبار المهاجرين والأنصار إلاّ بإذن منه ، وهو عليهم رقيب ، فلمّا قضى عمر وخرجوا إلى الأقاليم صار لكلّ طائفة منهم مدرسة فقهية تروي عنه وتسلك طريقه ، فلمّا جاء عصر التابعين وهم تلاميذ أولئك الفقهاء الذين بقوا في المدينة أو نزحوا عنها صار لكلّ مصر فقهاؤه ، فتباعدت الأنظار بتباعد الأمصار واختلافها؛ إذ كلٌّ مأخوذ بعرف إقليمه والمسائل التي ابتلى بها ذلك الإقليم ، ثمّ هو قبل ذلك متّبع طريقة الصحابي الذي نزل بذلك الإقليم وناقل أحاديثه التي رواها وانتشرت بينهم عنه ، فظهرت بسبب ذلك ألوان مختلفة من الفكر الفقهي (١) ؛ والسبب في ذلك ما تقدّم من السهوفي النقل .
ومن هنا يظهر مدى ابتعادهم عن السنّة وتسلّط الأعراف عليهم والبيئة التي هم فيها ، فيكون رأيهم مستمدّاً منها لا من السنّة؛ إذ ليس لهم منها إلاّ النزر القليل. فلو كانت السنّة محفوظة مدوّنة لكانت عند جميع المسلمين مرجعاً يرجعون إليها ، ولا يختلف في ذلك مصر عن مصر ولا إقليم عن آخر ، وكانوا في غنى عن طرق الاستنباط التي اضطرّتهم الحاجة إليهامن القياس والاستحسان والرأي و....
اُصول الحديث وجذوره عند الشيعة الإمامية :
بدأ تدوين الحديث عند الشيعة الإمامية منذ عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله
__________________
(١) أبو حنيفة حياته وعصره : ٨٥ ـ ٨٦.