يكون بالعكس وكلاهما مشكل ناتج عن عدم التدوين والضبط؛ إذ لو كان الحديث مدوّناً لرجع إليه ، سواء التأمل أو من يصل إليه الحديث ، فيطابق المنقول مع المدوّن ، فيعرف الخلل الواقع فيه والموضوع في غيره وهكذا .
أمّا أسباب الوضع فكثيرة ، منها : تشييد منصب في الحكم والقضاء ، أوترويج حركة فكرية ، أو رأي ومذهب خاصّ ، أو لأجل أطماع الدنيا كما يفعله القصّاصون والزنادقة ، وبعض يكون غرضه محو الدين واختلاق أفكار تنقص من نزاهته وتجعل أصابع الاتّهام والسخرية متوجّهةً إليه ، بل بعض المذاهب مثل الكرّامية ، يجوّزون وضع الحديث والكذب إذا كان في ذلك إصلاح الأُمّة (١) ، ولكن يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ، ويأبى الله إلاّ أن يُتمّ نوره ولو كره المشركون والكافرون.
ومن مساوئ عدم تدوين الحديث أيضاً إبقاء باب تدوين الحديث والإضافة إليه مفتوحاً ممّا سهّل لأرباب الطمع وضع الحديث وإضافته إلى ما دُوّن ، فلو كان الحديث الذي قد دُوّن زمن الرسول صلىاللهعليهوآله محفوظاً ومختوماً عليه كما فعل في جمع القرآن ، حيث وحّدت المصاحف وحرق الباقي ، لما كان يمكن التلاعب وإضافة ما تشتهيه السياسة وأطماع الرجال ، ولما اتّسع الاختلاف بين المسلمين ، ولما ظهرت الفِرَق والمذاهب التي ظهرت وحصل ما حصل.
اختلاف الصحابة والتابعين ثمّ المسلمين وتفرّقهم :
إنّ المدينة قد نقص سلطانها العلمي قليلاً ، فقد كانت في عهد الصحابة وخصوصاً في عهد عمر الذي يعدّ العهد الذهبي للاجتهاد الفقهي
__________________
(١) نهاية الوصول للعلاّمة الحلّي ٣ : ٣٥١.