وضع الحديث :
من مساوئ منع التدوين بل من جملة أعاظمها خطراً حركة الدسّ والتلاعب في الحديث الشريف ، التي كانت منذ عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله واستمرّت بعده ، ففي عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يُذكر الحديث ويُنسب إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله لمّا يصله ما نُسب إليه ولم تكن تلك النسبة صحيحة يقول : كذب فلان ، مثلاً : في حكاية سبيعة الأسلمية بعد وفاة زوجها بأيّام حيث مرّ بها أبو السنابل فقال : إنّك لا تحلّين حتّى تمكثي أربعة أشهر ، فذكرت ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال : «كذب أبو السنابل» (١) .
وأخبر صلىاللهعليهوآله أيضاً أنّه سوف تكثر عليه الكذّابة من بعده ، وحذّر من الكذب ، وقال صلىاللهعليهوآله : «إنّه من كذب عليَّ فليتبوّأ مقعده من النار» (٢) ، ولكن من لا يخاف الله عزوجل يضع ويتّهم ويفتري على الآخرين لا على رسول الله فقط .
ثمّ إنّ الوضع قد يكون عن عمد وقصد مسبق ، وقد يكون عن سهو ، مثلاً : يروي الراوي الحديث مقلوباً ولا يتّضح له الخلل منه ، أو يرويه ناقصاً ، أو من دون ذكر الناسخ له ويبقى الحديث مرويّاً عنه مع أنّه غير قاصد الوضع ولامتوجّه إليه ، كما تقدّم ذكر نماذج له من بعض الرواة الناقلين للحديث ، ففي بعض الأخبار توجه آخرون غير رواية للخلل فيه فقالوا : إنّه كذب ، وبعض لا.
والدسّ لا عن قصد قد يكون خطره أكثر من الدسّ المقصود وقد
__________________
(١) سنن سعيد بن منصور : ج٣ ق١ : ٢٥٢ ، توثيق السنّة في القرن الثاني الهجري : ٣٤.
(٢) صحيح البخاري ١ : ٣٧.