كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثمّ يغتسل ويصوم ، رجع عن قوله وفتياه (١) ، فلو كان هناك تدوين وبالطبع لكانت الصحابة تراجع المدوّن والتدوين لكان قد اطّلع عليه قبل الفتوى.
مضافاً إلى أنّ وجود خصلة النسيان وإقرار كافّة الناس بها دفع الصحابة إلى عدم قبول الحديث من كلّ أحد بل حتّى من أمثال أبي هريرة ، مثاله : أنّ أبا هريرة كان يحدّث : من تبع جنازة فله قيراط ، فتوقّف فيه ابن عمر حتّى سأل عائشة التي صدّقت أبا هريرة وعندئذٍ قَبِل الحديث وندم على أنّه لم يعمل به ، وقال : لقد فرّطنا فيه قراريط كثيرة (٢) ، فلم يكن أبوهريرة عنده متّهماً بالكذب ، لكن احتمال الخطأ والنسيان دعاه إلى التشكيك في ذلك ، بل كان بعض الصحابة يستعمل لفظة «الكذب» لتشديد الردع عن الأخذ بحديث القائل ، لا لعلمه بعدم صحّته وجزمه بذلك ، بل المراد أنّه أخطأ.
منها : ما ورد أنّ أبا الدرداء قال : من أدركه الصبح فلا وتر له ، فذكر ذلك لعائشة ، فقالت : كذب أبو الدرداء ، كان النبىّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يصبح فيوتر (٣) . وقول أسماء بنت عميس لعمر بن الخطّاب لمّا قال لها : سبقناكم بالهجرة فنحن أحقّ برسول الله منكم : كذبت يا عمر (٤) .
هذا مضافاً إلى أنّ الصحابة لم تكن مجتمعة في مكان واحد حتّى
__________________
(١) انظر فتح الباري ٤ : ١٤٧ ، توثيق السنّة في القرن الثاني الهجري أسسه واتّجاهاته : ٣٢ ـ ٣٣ .
(٢) مسند أحمد ٣ : ٢٨٨ / ١٠٠٩٠ ، صحيح البخاري ٢ : ٨٩.
(٣) مسند أحمد ٦ : ٣٤٦ / ٢٥٥٢٨ السنن الكبرى للبيهقي ٢ : ٤٧٩ ، مجمع الزوائد ٢ : ٢٤٦.
(٤) صحيح مسلم ٧ : ١٧٢.