وإلا لكانت تلك الأحكام من الأمور التكوينية بقانون التناسب والسنخية المعتبر في تأثير العلة في المعلول من ناحية ، ولخرجت عن كونها أفعالا اختيارية من ناحية أخرى ، وعلى ضوء ذلك فبطبيعة الحال يكون إطلاق الشرط على موضوعاتها مبني على ضرب من المسامحة نظراً إلى انها حيث أخذت مفروضة الوجود في مقام الجعل والاعتبار فيستحيل انفكاكها عنها في مرحلة الفعلية فتكون من هذه الناحية كالسبب والشرط ، مثلا إذا جعل الشارع وجوب الحج للمستطيع على نحو القضية الحقيقية انتزع عنوان الشرطية للاستطاعة باعتبار أن فعلية وجوبه تدور مدار فعليتها خارجا واستحالة انفكاكها عنها.
ومن هدى هذا البيان يظهر حال الأحكام الوضعيّة أيضا ، تفصيل ذلك أن الأحكام الوضعيّة على طائفتين : (إحداهما) منتزعة من الأحكام التكليفية وذلك كالجزئية والشرطية والمانعية وما شاكل ذلك. (وثانيتهما) مجعولة على نحو الاستقلال كالاحكام التكليفية وذلك كالملكية والزوجية والرقية الولاية وما شابه ذلك. أما الطائفة الأولى : فهي خارجة عن محل كلامنا في المسألة ، لما عرفت من أن محل الكلام فيها انما هو في المعاملات بالمعنى الأعم الشامل للعقود والإيقاعات ، وبعد ذلك نقول : انا قد حققنا في محله ان ما هو المشهور بين الأصحاب من أن صيغ العقود والإيقاعات أسباب للمسببات خاطئ جداً ولا واقع موضوعي له أصلا ، كما انا ذكرنا أنه لا أصل لما ذكره شيخنا الأستاذ (قده) من أن نسبتها إليها نسبة الآلة إلى ذيها.
والسبب في ذلك : ما بيناه في مبحث الإنشاء والاخبار بشكل موسع ملخصه : أن ما هو المعروف والمشهور بين الأصحاب قديماً وحديثاً من أن الإنشاء إيجاد المعنى باللفظ لا واقع له أصلا ، وذلك لأنهم ان أرادوا به