ومن الطبيعي انه كلما دار الأمر بين رفع اليد عن إطلاق موضوعية عنوان للحكم ورفع اليد عن أصل موضوعيته له رأساً يتعين الأول بنظر العرف ، وما نحن فيه كذلك ، فان تقديم دليل نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه على دليل طهارة بول الطير يستلزم إلغاء عنوان الطير المأخوذ في موضوع الطهارة رأساً ، وأما العكس فلا يستلزم الا تقييد إطلاق موضوعية عنوان غير المأكول للنجاسة ، وهذا أخف مئونة من الأول بمقتضى فهم العرف وارتكازهم.
فالنتيجة في نهاية المطاف هي ان المفهوم ان كان حاكماً على المنطوق فلا شبهة في تقديمه عليه وان كانت النسبة بينهما عموماً من وجه ، وكذا لا شبهة في تقديمه عليه إذا كان تقديم المنطوق عليه موجباً لإلغاء العنوان المأخوذ في موضوع الحكم فيه رأساً دون العكس ، وأما إذا لم يكن هذا ولا ذاك فلا بد من الرجوع إلى مرجحات باب التعارض ان كانت وإلا فالحكم هو التساقط على تفصيل يأتي في مبحث التعادل والترجيح.
وأما لو كانت النسبة بينهما عموماً وخصوصاً مطلقاً فلا شبهة في تقديم الخاصّ على العام حيث انه يكون بنظر العرف قرينة على التصرف فيه ، ومن المعلوم ان ظهور القرينة يتقدم على ظهور ذيها وان افترض ان ظهورها بالإطلاق ومقدمات الحكمة وظهور ذاك بالوضع ، كما إذا افترضنا ورود دليل يدل بالوضع على ان كل ماء طاهر لا ينفعل بالملاقاة الا إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه ، فانه مع ذلك لا يقاوم مفهوم روايات الكر على الرغم من أن دلالته على انفعال الماء القليل بالملاقاة بالإطلاق ومقدمات الحكمة.
إلى هنا قد استطعنا ان نخرج بهذه النتيجة وهي ان حال التعارض بين المفهوم والمنطوق بعينه حاله بين المنطوقين من دون تفاوت في البين أصلا.