منها باختيارها وإعمال سلطنتها كالبناء والالتزام والقصد وعقد القلب وما شاكل ذلك.
وثانياً على فرض تسليم عدم صدور الفعل من النّفس من دون توسط إحدى قواها الباطنة والظاهرة ، إلا انك عرفت ان الأفعال التي تصدر من قواها في الحقيقة تصدر منها ، وهي الفاعل لها حقيقة وواقعاً.
والسبب في ذلك ان هذه القوى بأجمعها تصحح فاعلية النّفس بالفعل فان فاعليتها كذلك تتوقف على توفر شروط : منها وجود إحدى قواها ، حيث ان فاعليتها في مرتبة القوة العاقلة إدراك الأمور المعقولة بواسطتها ، وفي مرتبة القوة الواهمة الفرض والتقدير ، وفي مرتبة القوة المتخيلة الخيال ، وفي مرتبة القوة الباصرة الإبصار ، وفي مرتبة القوة السامعة الإسماع ، وفي مرتبة القوة العضلانية التحريك نحو إيجاد فعل في الخارج.
وان شئت قلت : ان النّفس متى شاءت ان تدرك الحقائق الكلية أدركت بالقوة العاقلة ، ومتى شاءت ان تفرض الأشياء وتقدرها قدرت بالقوة الواهمة ، ومتى شاءت ان تفعل شيئاً فعلت بالقوة العضلانية ، وهكذا. وعلى هذا فبطبيعة الحال ان هذه الأفعال التي تصدر منها بواسطة تلك القوى جميعاً مسبوقة باعمال قدرتها واختيارها ، ولا فرق من هذه الناحية بين الأفعال الخارجية التي تصدر منها بالقوة العضلانية وبين الأفعال الداخلية التي تصدر منها بإحدى تلك القوى. فما أفاده (قده) من ان افعال تلك القوى أجنبية عن الاختيار مبنى على جعل الاختيار في عرض تلك الأفعال ، ولذلك قال : ما هو فاعله والمؤثر فيه. ولكن قد عرفت بشكل واضح ان الاختيار في طولها وفاعله هو النّفس.
فالنتيجة ان الاختيار يمتاز عن هذه الأفعال في نقطتين (الأولى)