وقوله : (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) [٢٦] يريد الله تبارك وتعالى كقولك فى الكلام : أكرم بعبد الله ومعناه : ما أكرم عبد الله وكذلك قوله (أَسْمِعْ (١) بِهِمْ وَأَبْصِرْ) : ما أسمعهم ما أبصرهم. وكلّ ما كان فيه معنى من المدح والذمّ فإنك تقول (٢) فيه : أظرف به وأكرم به ، ومن الياء والواو : أطيب به طعاما ، وأجود به ثوبا ، ومن المضاعف تظهر فيه التضعيف ولا يجوز الإدغام ، كما لم يجز نقص الياء ولا الواو ؛ لأن أصله ما أجوده وما أشدّه وأطيبه فترك على ذلك ، وأما أشدد به فإنه ظهر التضعيف لسكون اللام من الفعل ، وترك فيه التضعيف فلم يدغم لأنه لا يثنّى ولا يؤنّث ، لا تقول للاثنين : أشدّا بهما ، ولا للقوم أشدّوا بهم. وإنما استجازت العرب أن يقولوا مدّ فى موضع امدد لأنهم قد يقولون فى الاثنين : مدّا وللجميع : مدّوا ، فبنى الواحد على الجميع.
وقوله (وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) ترفع إذا كان (٣) بالياء على : وليس يشرك. ومن (٤) قال (لا تشرك) جزمها لأنها نهى.
وقوله : (مُلْتَحَداً) [٢٧] الملتحد : الملجأ.
وقوله : (بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) [٢٨] قرأ (٥) أبو عبد الرحمن السّلمىّ (بالغدوة والعشىّ) ولا أعلم أحدا قرأ غيره. والعرب لا تدخل الألف واللام فى الغدوة ؛ لأنها معرفة بغير ألف ولام سمعت أبا الجراح يقول : ما رأيت كغدوة قطّ ، يعنى غداة يومه. وذاك أنها كانت باردة ؛ ألا ترى أن العرب لا تضيفها فكذلك لا تدخلها الألف واللام.
إنما يقولون : أتيتك غداة الخميس ، ولا يقولون : غدوة الخميس. فهذا دليل على أنها معرفة.
__________________
(١) الآية ٣٨ سورة مريم.
(٢) سقط فى ا.
(٣) ا : «كانت».
(٤) هو ابن عامر ، وافقه المطوعى والحسن.
(٥) هى قراءة ابن عامر من السبعة. وقد ورد تنكير غدوة حكاه سيبويه والخليل عن العرب ، فعلى هذا جاءت هذه القراءة ولا يصح إنكارها. وانظر البحر المحيط ٤ / ١٣٦