لك إلّا شريك هو لك ، تملكه وما ملك (١) .
وقال القمّي رحمهالله : سبب نزولها أنّ قريشا والعرب كانوا إذا حجّوا يلبّون ، وكانت تلبيتهم : لبيك اللهمّ لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك. وهي تلبية إبراهيم والأنبياء فجاءهم إبليس في صوره شيخ ، وقال لهم : ليست هذه تلبية أسلافكم. قالوا : وما كانت تلبيتهم ؟ قال : كانوا يقولون : لبيك اللهمّ لبيك ، لا شريك لك إلّا شريكا هو لك. فتفرّق قريش من هذا القول ، فقال لهم إبليس : على رسلكم حتى آتي على آخر كلامي. فقالوا : ما هو ؟ فقال : إلّا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك. ألا ترون أنّه يملك الشريك وما ملكه ؟ فرضوا بذلك ، فكانوا يلبّون بهذا قريش خاصة ، فلمّا بعث الله عزوجل رسوله أنكر ذلك عليهم ، وقال : هذا شرك ، فأنزل الله الآية(٢).
﴿بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَما لَهُمْ مِنْ
ناصِرِينَ * فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا
تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ
وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ
وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٢٩) و (٣٢)﴾
ثمّ أعرض سبحانه عن مخاطبتهم ، وبيّن استحالة تبعيتهم للحقّ بقوله : ﴿بَلِ اتَّبَعَ﴾ المشركون ﴿الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أنفسهم ﴿أَهْواءَهُمْ﴾ وشهوات أنفسهم ﴿بِغَيْرِ﴾ دليل يكون سبب ﴿عِلْمٍ﴾ فضلّوا عن طريق الحقّ ﴿فَمَنْ يَهْدِي﴾ إلى الحقّ ﴿مَنْ أَضَلَّ اللهُ﴾ عنه لسوء اختياره ﴿وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ﴾ يخلّصونهم في الدنيا من الضلالة ، وفي الآخرة من النار.
ثمّ لمّا لم يهتد المشركون ، وأصرّوا على الشرك ، أمر نبيه بالإعراض عنهم وعدم الاعتناء بهم بقوله : ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ﴾ ووجّه قلبك يا محمد واصرف شراشر وجودك ﴿لِلدِّينِ﴾ القيّم الذي أنت عليه حال كونك ﴿حَنِيفاً﴾ ومائلا إليه عن سائر الأديان. ويحتمل أن يكون حالا للدين ، فانّه يكون ﴿فِطْرَتَ اللهِ﴾ وخلقته ﴿الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ﴾ وخلقهم ﴿عَلَيْها﴾ أو المراد الزموا فطرة الله ، فانّ هذا الدين ما يحكم به العقل الفطري ، وأخذ الله عليه العهد في الذّر ، وأرتكز في القلوب [ فلا يحيد ] الانسان عنه إلّا بالصوارف الخارجية ، ولو خلوا وأنفسهم وعقولهم ما اختاروا عليها غيره ﴿لا تَبْدِيلَ﴾ ولا تغيير ﴿لِخَلْقِ اللهِ﴾ فانّه غير ممكن.
__________________
(١) تفسير روح البيان ٧ : ٢٨.
(٢) تفسير القمي ٢ : ١٥٤ ، تفسير الصافي ٤ : ١٣١.