وبالاضافة إليكم ، وإن كانا بالاضافة إليه تعالى سيّان ؛ لأنّه إذا أراد شيئا يقول له كن فيكون.
ثمّ بيّن كمال صفاته بقوله : ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى﴾ والصفات العليا التي ليست لشيء من المملكات ﴿فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ وقيل : إنّ الصفة العليا هو لا إله إلّا الله ، أي الوحدانية (١) .
وقيل : يعني هذا مثل مضروب لكم ، وله المثل الأعلى من هذا المثل ومن كل مثل يضرب في السماوات والأرض (٢) .
وقيل : إنّ المراد أنّ ذاته ليس كمثله شيء ، وله المثل الأعلى (٣)﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ والغالب على مراده من البدء والإعادة ﴿الْحَكِيمُ﴾ العالم بصلاح الامور الفاعل على وفق الحكمة والصواب.
﴿ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما
رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ
لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٨)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد إقامة الحجج على التوحيد والمعاد وتمثيل الإعادة بإعادة الناس فعلهم الأوّل ، ضرب مثلا لتوضيح شناعة القول بالشرك بقوله : ﴿ضَرَبَ﴾ الله ﴿لَكُمْ مَثَلاً﴾ بديعا منتزعا ﴿مِنْ﴾ أحوال ﴿أَنْفُسِكُمْ﴾ التي هي أقرب الأشياء منكم وأعرفها لديكم ، ليصير بطلان مذهب الشرك كالمحسوس لكم ، وهو أنّه افرضوني مع غاية عظمتي وقدرتي مثل أنفسكم مع نهاية حقارتها وعجزها ﴿هَلْ﴾ تتصوّرون أو ترضون أن يكون ﴿لَكُمْ﴾ بعضا ﴿مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ﴾ من العبيد والإماء ﴿مِنْ شُرَكاءَ فِي ما﴾ تملكونه في الظاهر مع أنّه في الواقع نحن ﴿رَزَقْناكُمْ﴾ إياه وأعطيناكم وجعلناه في قبضتكم وتصرّفكم ﴿فَأَنْتُمْ﴾ وهم ﴿فِيهِ سَواءٌ﴾ يتصرّفون فيه كتصرّفكم فيه ، بلا فرق بينكم وبينهم ، وأنتم ﴿تَخافُونَهُمْ﴾ في التصرّف فيه بغير إذنهم ﴿كَخِيفَتِكُمْ﴾ من التصرّف فيه ﴿أَنْفُسِكُمْ﴾ والأحرار الذين يكونون مثلكم في المالكية لذلك المال ، لا يتصوّر ذلك ، ولا ترضون به ، فكيف ترضون أن تجعلوا لله شريكا من مخلوقاته ومملوكاته ؟ ! ﴿كَذلِكَ﴾ التفصيل والبيان الواضح ﴿نُفَصِّلُ﴾ ونبيّن ﴿الْآياتِ﴾ والدلائل على توحيدنا ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ عن الله حججه ، ويفهمون دلائله.
قال أبو الليث : نزلت في كفار قريش كانوا يعبدون الآلهة ، ويقولون في إحرامهم : لبيك لا شريك
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٥ : ١١٧.
(٢) تفسير الرازي ٢٥ : ١١٧.
(٣) تفسير الرازي ٢٥ : ١١٧.