﴿ذلِكَ﴾ الدين الذي امرتم باقامة وجوهكم له هو ﴿الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ السويّ الذي لا عوج له ﴿وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ ذلك ، فتنحرفون عنه ، فوجّهوا له حال كونكم ﴿مُنِيبِينَ﴾ وراجعين ﴿إِلَيْهِ﴾ تعالى في جميع مدة عمركم بحوائجكم ، ومقبلين عليه بطاعتكم ﴿وَاتَّقُوهُ﴾ في مخالفته ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ التي هي أهمّ الفرائض ﴿وَلا تَكُونُوا﴾ بتركها ﴿مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ الذين لا يسجدون لربّهم بعد الايمان بالتوحيد ، أو من المشركين لغيره في عبادته جليا أو خفيا ، أعني ﴿مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ﴾ واختلفوا فيما يعبدون على اختلاف أهوائهم ﴿وَكانُوا﴾ في عبادة غير الله ﴿شِيَعاً﴾ وأحزابا ، كلّ يشايع ويتابع إمامه الذي هو الأصل والمؤسس لدينه ، والكل متّفقون على الضلال و﴿كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ﴾ وبما اختاره من الدين ﴿فَرِحُونَ﴾ ومسرورون لاعتقادهم أنّه الحقّ وما سواه هو الباطل.
﴿وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ
مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * أَمْ
أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (٣٣) و (٣٥)﴾
ثمّ بيّن سبحانه أن فطرة المشركين أيضا على التوحيد ، وأنّهم منيبين إلى الله عند الشدائد بقوله : ﴿وَإِذا مَسَّ النَّاسَ﴾ وأصابهم ﴿ضُرٌّ﴾ كالفقر والقحط والمرض وغيرها من الشدائد ﴿دَعَوْا رَبَّهُمْ﴾ لرفعه وكشفه حال كونهم ﴿مُنِيبِينَ.﴾ وراجعين ﴿إِلَيْهِ﴾ تعالى عن غيره ، لعلمهم بعدم قدرة غيره على كشفه و﴿ثُمَّ إِذا﴾ استجاب دعاءهم وكشف عنهم ضرّهم و﴿أَذاقَهُمْ مِنْهُ﴾ ومن فضله ﴿رَحْمَةً﴾ ونعمة من صحة وعافية وخلاص وسعة وغيرها ﴿إِذا فَرِيقٌ﴾ وفي الحين جمع ﴿مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ﴾ اللطيف بهم المانّ عليهم بنعمه ﴿يُشْرِكُونَ﴾ كأننا أتيناهم تلك النعمة ﴿لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ﴾ ويضيّعوا حقّه بعبادة غيرنا.
ثمّ التفت من الغيبة إلى الخطاب (١) تهديدا لهم بقوله : ﴿فَتَمَتَّعُوا﴾ أيها الكافرون وانتفعوا بكفركم ، وبالنعم التي أعطيناكم في الدنيا الفانية والمدة القليلة ﴿فَسَوْفَ﴾ وعن قريب ﴿تَعْلَمُونَ﴾ وخامة عاقبة كفركم وتمتّعكم في الآخرة ، وهي العذاب والنّكال.
ثمّ لامهم سبحانه على التزامهم بعبادة الأصنام بلا حجّة وبرهان بقوله : ﴿أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ﴾ كتابا أو نبيا أو ملكا ليكون قوله ﴿سُلْطاناً﴾ وحجّة لهم ﴿فَهُوَ يَتَكَلَّمُ﴾ ويخبر بأمرنا إيّاهم ﴿بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ﴾ قيل : يعني باشراكهم أو بعبادة ما كانوا به يشركون (٢) .
__________________
(١) زاد في النسخة : بهم.
(٢) تفسير أبي السعود ٧ : ٦١.