فَضْلِهِ﴾ وإحسانه ، ليدوم لكم البقاء إلى آجالكم المقدّرة ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ﴾ المذكور من الأمرين ﴿لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ الآيات سماع القبول ، ويتدبّرون فيها.
﴿وَمِنْ آياتِهِ﴾ أنّه تعالى ﴿يُرِيكُمُ﴾ ويظهر لكم ﴿الْبَرْقَ﴾ والضياء الحاصل من السّحاب ليوجد في قلوبكم ﴿خَوْفاً﴾ من نزول الصاعقة المهلكة ﴿وَطَمَعاً﴾ ورجاء بنزول المطر النافع ﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً﴾ نافعا بطريق الأمطار ﴿فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ﴾ بالنبات ﴿بَعْدَ مَوْتِها﴾ ويبسها ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ﴾ المذكور من البرق والمطر وإحياء الأرض ﴿لَآياتٍ﴾ نافعة ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ عن الله حججه ، ويفهمون أدلّة قدرته وحكمته.
﴿وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ﴾ مع ثقلها ﴿وَ﴾ ارتفاعها في مكانها بغير عمد وتستقرّ ﴿الْأَرْضُ﴾ فوق الماء ولا ترسب فيه ﴿بِأَمْرِهِ﴾ تعالى وإرادته ، وتستمرّان على ما هما عليه من الهيئة إلى الأجل المسمّى بمشيئته ﴿ثُمَ﴾ بعد وضوح كمال قدرته على كلّ شيء اعلموا أنه تعالى ﴿إِذا دَعاكُمْ﴾ بعد انقضاء أجل الدنيا ﴿دَعْوَةً﴾ واحدة ، وقال لكم : أيّها الموتى اخرجوا ﴿مِنْ﴾ القبور التي تكون لكم في ﴿الْأَرْضُ﴾ بالنفخة الثانية في الصور ﴿إِذا أَنْتُمْ﴾ تحيون ثانيا وبلا ريث ﴿تَخْرُجُونَ﴾ منها سراعا ، وتحشرون إلى العرصة خشّعا.
﴿وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ * وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ
يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ (٢٦) و (٢٧)﴾
ثمّ لمّا ذكر سبحانه مطاعيته للأموات نبّه على مطاعيته لجميع أهل الملك والملكوت بقوله : ﴿وَلَهُ﴾ بالملكية الاشراقية ﴿مَنْ فِي السَّماواتِ﴾ من الملائكة والأرواح القدسية ﴿وَ﴾ من في ﴿الْأَرْضِ﴾ ومن الثقلين إيجادا وإعداما وتصرفا وتدبيرا ، ولذا ﴿كُلٌ﴾ منهم ﴿لَهُ﴾ تعالى ﴿قانِتُونَ﴾ ومطيعون طوعا أو كرها ، لا يقدرون على التخلّف عن أمره وإرادته.
ثمّ إنّه تعالى لمّا ذكر قبل الاستدلال دعوتي التوحيد والمعاد بقوله : ﴿اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾(١) ذكرهما بعد الأدلة المذكورة بعنوان النتيجة بقوله : ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ﴾ في الدنيا ، وينشئهم أولا رجالا ونساءا ، ثمّ يميتهم عند انقضاء آجالهم ﴿ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ ويخلقه ثانيا للحساب والجزاء في الآخرة ، ولا استبعاد في عودهم ﴿وَهُوَ أَهْوَنُ﴾ وأسهل وأيسر ﴿عَلَيْهِ﴾ من بدئهم في نظركم
__________________
(١) يونس : ١٠ / ٣٤.