إِذا أَنْتُمْ﴾ بارادته وقدرته في الحال ﴿بَشَرٌ﴾ سويّ وإنسان عاقل قويّ ﴿تَنْتَشِرُونَ﴾ وتتفرّقون في وجه الأرض لتحصيل معاشكم وحوائجكم ، كيف يتصوّر في هذا الخالق الذي خلقكم من تراب أن يكون عاجزا من خلقكم ثانيا من تراب ﴿وَمِنْ آياتِهِ﴾ ودلائل قدرته ﴿أَنْ خَلَقَ﴾ الله ﴿لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ ومن جنسكم ، أو من عضو منكم ﴿أَزْواجاً﴾ ونسوانا ﴿لِتَسْكُنُوا﴾ وتميلوا ﴿إِلَيْها﴾ وتستأنسوا بها ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ﴾ وفي قلوب كلّ منكم بالنسبة إلى الآخر ﴿مَوَدَّةً﴾ ومحبّة ﴿وَرَحْمَةً﴾ وعطوفة وشفقة. قيل : إنّ المودة كناية عن الجماع ، والرحمة كناية عن الولد (١) .
﴿إِنَّ فِي ذلِكَ﴾ المذكور من خلقكم من تراب ، وخلق أزواجكم منكم ، وإلقاء المودّة والرحمة بينكم ﴿لَآياتٍ﴾ وحجج ظاهرة ﴿لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أدنى التفكّر في أصل وجودها ، والحكم الكامنة فيها.
ثمّ إنّه تعالى بعد الاستدلال بالآيات الأنفسية أستدلّ بالآيات الآفاقية بقوله : ﴿وَمِنْ﴾ جملة ﴿آياتِهِ﴾ والأدلة الدالة على قدرته على الإعادة ﴿خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ مع عظمهما وكثرة أجزائهما بلا مادّة ومدّة ، لوضوح أنّه أقدر على إعادة ما كان حيا وخلقه ثانيا من المادّة.
ثمّ عاد سبحانه إلى ذكر بعض الآيات الأنفسية بقوله : ﴿وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ﴾ ولغاتكم من العربية والفارسية والتركية والرومية والهندية ﴿وَ﴾ اختلاف ﴿أَلْوانِكُمْ﴾ بالبياض والسواد والحمرة والأدمة والصّفرة على اختلاف مراتبها بحيث قلّما يتّفق توافق شخصين في اللون مع كثرة عددهم.
عن ابن عباس : كان آدم مؤلفا من أنواع تراب الأرض ، ولذلك كان بنوه مختلفين منهم الأحمر والأسود والأبيض كلّ ظهر على لون ترابه (٢) .
﴿إِنَّ فِي ذلِكَ﴾ المذكور من الخلق والاختلاف ﴿لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ﴾ بالحكم ومصالح الأشياء دون الجهّال المنغمرين في الشهوات.
عن الصادق عليهالسلام قال : « الامام إذا أبصر الرجل عرفه وعرف لونه ، وإذا سمع كلامه من خلف حائط عرفه وعرف ما هو ، إن الله يقول : ﴿وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ الآية. قال : وهم العلماء فليس يسمع شيئا من الأمر ينطق به إلّا عرفه ناج أو هالك ، فلذا يجيبهم بالذي يجيبهم » (٣) .
﴿وَمِنْ آياتِهِ﴾ وأدلّة قدرته ﴿مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ﴾ على حسب العادة ﴿وَالنَّهارِ﴾ على حسب الحاجة كالقيلولة لاستراحة أبدانكم ﴿وَابْتِغاؤُكُمْ﴾ وطلبكم الرزق فيهما بالتجارة وغيرها الحاصل لكم ﴿مِنْ
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٥ : ١١٠ ، تفسير أبي السعود ٧ : ٥٦ ، تفسير روح البيان ٧ : ١٩.
(٢) تفسير روح البيان ٧ : ٢٠.
(٣) بصائر الدرجات : ٣٨١ / ١ ، الكافي ١ : ٣٦٤ / ٣ ، تفسير الصافي ٤ : ١٢٩.