فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (١١) و (١٦)﴾
ثمّ استدلّ سبحانه على المعاد بقدرته على الخلق الأول بقوله : ﴿اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ﴾ ويوجده أولا في الدنيا ﴿ثُمَ﴾ بعد إماتته ﴿يُعِيدُهُ﴾ ويوجده ثانيا كما بدأه ﴿ثُمَ﴾ بعد الخروج من القبور ﴿إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ وفي محكمة عدله تحضرون ، فيجازيكم على حسب أعمالكم.
ثمّ عيّن سبحانه وقت الرجوع إليه بقوله : ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ﴾ وتحضر القيامة ﴿يُبْلِسُ﴾ ويسكن ﴿الْمُجْرِمُونَ﴾ متحيّرين آيسين من الاهتداء إلى الحجّة ، أو من شفاعة الأصنام ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ﴾ وآلهتهم ﴿شُفَعاءُ﴾ عند الله حتى يدفعوا عنهم العذاب ﴿وَ﴾ لذا ﴿كانُوا﴾ في ذلك اليوم ﴿بِشُرَكائِهِمْ﴾ وأصنامهم ﴿كافِرِينَ﴾ ولالوهيتها وشفاعتها منكرين.
ثمّ كرّر ذكر قيام الساعة ازديادا للارعاب بقوله : ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ﴾ التي يجازى فيها الناس ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ﴾ فرقتين : فرقة منهم المؤمنون ، وفرقة منهم الكافرون ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ﴾ متمكّنون ﴿فِي رَوْضَةٍ﴾ عظيمة وجنة واسعة ﴿يُحْبَرُونَ﴾ ويسرّون سرورا تهلّلت به وجوههم ، أو يكرمون كما عن ابن عباس (١) ، أو ينعّمون كما عن قتادة ، أو يتوّجون كما عن آخر (٢) . ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ﴾ والبعث بعد الموت ﴿فَأُولئِكَ﴾ الكافرون المكذّبون ﴿فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ﴾ وفي النار مدخلون لا يغيبون عنها أبدا.
﴿فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ * يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ
مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١٧) و (١٩)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد بيان صيرورة الناس في القيامة فرقتين ، أمر الناس بتسبيحه وتنزيهه من الظلم والنقائص ، وبحمده على كلّ حال بقوله : ﴿فَسُبْحانَ اللهِ﴾ ونزّه في زمان ظهور قدرته وتجدّد نعمته وهو ﴿حِينَ تُمْسُونَ﴾ وتدخلون في الليل ﴿وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ وتدخلون في النهار ﴿وَلَهُ﴾ خاصة ﴿الْحَمْدُ﴾ على نعمه كلّها ، والثناء الجميل على مننه من الموجودات الملكوتية ، ﴿فِي السَّماواتِ﴾ وعالم الملكوت ، ومن الموجودات الملكية في السفل ﴿وَالْأَرْضِ﴾ فاحمدوه أنتم ﴿وَ﴾ سبّحوه ﴿عَشِيًّا﴾ وآخر النهار ، وإنّما ذكر الحمد في البين للتنبيه على استحباب الجمع بين التسبيح والتحميد
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٧ : ٥٣ ، تفسير روح البيان ٧ : ١٣.
(٢) تفسير أبي السعود ٧ : ٥٤ ، تفسير روح البيان ٧ : ١٣.