وجعل بقاء الموجودات في العالم متلبّسا بوقت معين ﴿وَأَجَلٍ مُسَمًّى﴾ مقدّر لا بدّ من أن ينتهي إليه ، وهو قيام الساعة ﴿وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ﴾ لأعراضهم عن التفكّر ﴿بِلِقاءِ رَبِّهِمْ﴾ والحضور في محكمة عدله في الآخرة والله ﴿لَكافِرُونَ﴾ وبالحشر لجاحدون.
﴿أَ وَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ
مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ
بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ
الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ (٩) و (١٠)﴾
ثمّ هددهم سبحانه بالعذاب الذي نزل على الامم الماضية بقوله : ﴿أَ وَلَمْ يَسِيرُوا﴾ ولم يسافروا ﴿فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا﴾ بنظر الاعتبار ﴿كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ﴾ الامم ﴿الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ كعاد وثمود ، وإلى ما صار مآل كفرهم وإنكارهم الحشر ، فانّهم اهلكوا بأنواع العذاب ، مع أنّهم كانوا أكثر من كفار مكّة تمتّعا بالدنيا و﴿كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ وأعظم منهم جسما ﴿وَأَثارُوا الْأَرْضَ﴾ وقلبوها للزراعة وغرس الأشجار ، واستنباط المياه ، واستخراج المعادن ﴿وَعَمَرُوها﴾ بفنون العمارات من الزراعة والغرس والبناء ﴿أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها﴾ لأنّ أهل مكّة أهل واد غير زرع ، ولقد أتمّ الله عليهم الحجّة بأن أعطاهم العقل ﴿وَجاءَتْهُمْ﴾ من قبل الله ﴿رُسُلُهُمْ﴾ لتبليغ الحقّ إليهم ﴿بِالْبَيِّناتِ﴾ والمعجزات الباهرات ، وفكذّبوه فأهلكهم الله بكفرهم وتكذيبهم ﴿فَما كانَ اللهُ﴾ بإنزال العذاب عليهم وإهلاكهم ﴿لِيَظْلِمَهُمْ﴾ ويعذّبهم بلا حجّة عليهم ﴿وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ بكفرهم وطغيانهم الموجبين لاستحقاقهم العذاب ﴿ثُمَّ كانَ﴾ بعد خروجهم من الدنيا ﴿عاقِبَةَ﴾ أمر ﴿الَّذِينَ أَساؤُا﴾ واستمرّوا على إتيان المنكرات ، وأصرّوا على الكفر ومعارضة الأنبياء العقوبة ﴿السُّواى﴾ في الآخرة - كما أنّ للذين أحسنوا المثوبة الحسنى - لأجل ﴿أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ﴾ ودلائل توحيده ومعجزات أنبيائه ﴿وَكانُوا بِها﴾ في الدنيا ﴿يَسْتَهْزِؤُنَ﴾ دائما.
﴿اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ
الْمُجْرِمُونَ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ *
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ
فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ