سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ﴾
قال : فلمّا غزا المسلمون فارس وافتتحوها فرح المؤمنون بنصر الله » .
قيل : أليس الله يقول : ﴿فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾ وقد مضى للمؤمنين سنون كثيرة مع رسول الله صلىاللهعليهوآله وفي إمارة أبي بكر ، وإنّما غلبت المؤمنون فارس في إمارة عمر؟
فقال : « ألم أقل لك إنّ لهذا تأويلا وتفسيرا ، والقرآن ناسخ ومنسوخ ، أما تسمع لقول الله عزوجل: ﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ﴾ يعني إليه المشيئة في القول أن يوخّر ما قدّم ويقدّم ما أخّر في القول إلى يوم تحتّم القضاء بنزول النصر فيه على المؤمنين ، وذلك قوله عزوجل : ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللهِ﴾ أي يوم يحتّم القضاء [ بالنصر ] » (١) .
أقول : هذه الرواية توافق قراءة ﴿سَيَغْلِبُونَ﴾ بالبناء للمفعول.
﴿يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ * أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا
فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ
مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ (٧) و (٨)﴾
ثمّ ذمّهم سبحانه بقصر علمهم بشهوات الدنيا بقوله : ﴿يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا﴾ وزينتها وشهواتها ، ولا يعلمون باطنها الذي هو المضار والمتاعب ﴿وَهُمْ عَنِ﴾ عالم ﴿الْآخِرَةِ﴾ ودار الجزاء ﴿هُمْ غافِلُونَ﴾ لا تتوجّه قلوبهم إليها.
عن الصادق عليهالسلام أنّه سئل عن قوله : ﴿يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا﴾ فقال : « منه الزجر والنجوم » (٢) .
ثمّ لامهم سبحانه على ترك التفكّر في آيات التوحيد والبعث بقوله : ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ﴾ ولم يتأمّلوا في قلوبهم حتى يعلموا أنّه يجب على الله حشر الخلق لمجازاتهم على أعمالهم بمقتضى الحكمة البالغة ، لأنّه ﴿ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما﴾ من الموجودات بغرض من الأغراض ﴿إِلَّا بِالْحَقِ﴾ والحكمة البالغة والمصلحة التامة ، وعمدتها هو (٣) استدلالهم بها على وجوده وكمال صفاته ، وارتقائهم بالنظر فيها من حضيض البشرية إلى أعلى درجة الانسانية ، واستحقاقهم لفيوضاته الأبدية ، ولا يكون ذلك إلّا بانتقالهم إلى دار الآخرة الأبدية ، وإلّا كان خلقها عبثا ولعبا.
__________________
(١) الكافي ٨ : ٢٦٩ / ٣٩٧ ، تفسير الصافي ٤ : ١٢٦.
(٢) مجمع البيان ٨ : ٤٦١ ، تفسير الصافي ٤ : ١٢٧.
(٣) في النسخة : وهو.