موحدّين إياه ﴿فَلَمَّا﴾ استجاب دعاءهم و﴿نَجَّاهُمْ﴾ من البحر وأخرجهم منه سالمين (١)﴿إِلَى الْبَرِّ﴾ وأمنوا من الغرق ﴿إِذا هُمْ﴾ يعودون إلى مذهبهم الباطل ، و﴿يُشْرِكُونَ﴾ به غيره ﴿لِيَكْفُرُوا﴾ وكي يكونوا باشتراكهم كافرين ﴿بِما آتَيْناهُمْ﴾ وأنعمنا عليهم من النجاة ﴿وَلِيَتَمَتَّعُوا﴾ وكي ينتفعوا به لكونه سبب ألفتهم وتوادّهم.
وقيل : إنّ اللّامين للأمر على سبيل التهديد ، كما في ﴿اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ﴾(٢)﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ وخامة عاقبة الشرك حين يرون العذاب (٣) .
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَ فَبِالْباطِلِ
يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ
بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ * وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا
لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (٦٧) و (٦٩)﴾
ثمّ نبهم على أنه كما تكون أمنيتهم من الغرق من الله ، تكون امنيتهم في بيوتهم منه أيضا بقوله : ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ ولم يشاهدوا ﴿أَنَّا جَعَلْنا﴾ بلدهم ﴿حَرَماً﴾ ومحترما ﴿آمِناً﴾ ومأمونا من القتل ﴿وَ﴾ النهب ﴿يُتَخَطَّفُ النَّاسُ﴾ ويؤخذون ﴿مِنْ حَوْلِهِمْ﴾ قتلا وسبيا ، إذا كانت العرب حولهم في تغاور وتناهب ﴿أَفَبِالْباطِلِ﴾ والأصنام الجامدة مع تلك النّعم التي يشاهدونها وظهور الدلائل على الحق الذي لا مجال للامتراء فيه ﴿يُؤْمِنُونَ﴾ هؤلاء الكفّار ﴿وَبِنِعْمَةِ اللهِ﴾ التي يجب على كلّ أحد شكرها ، هم ﴿يَكْفُرُونَ﴾ باسندها إلى غيره ، أو بالاشتراك به وصرفها في معصيته.
ثمّ إنه تعالى بعد إثبات التوحيد بالأدلة المتقنة والبراهين الواضحة ، وإثبات كون القرآن كلامه نازلا من قبله بالدلائل القاطعة وتهديد منكريهما بعذاب الآخرة الذي هو أشدّ العذاب ، نبّه سبحانه على أن من لا يؤمن بهما مع ذلك هو أظلم الناس على نفسه بقوله : ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ﴾ وأضرّ على نفسه ﴿مِمَّنِ افْتَرى﴾ وبهت ﴿عَلَى اللهِ﴾ الأحد الفرد بادّعاء الشريك له في الالوهية والعبادة ﴿كَذِباً﴾ مع شهادة جميع أجزاء العالم وأجزاء وجوده على توحيده ، وكون وجود الشريك من المحالات ﴿أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِ﴾ وأنكر نبوة محمد صلىاللهعليهوآله أو صدق كتابه أو صحّة شريعته ﴿لَمَّا جاءَهُ﴾ وحين استماعه من غير توقّف وتدبّر عنادا ولجاجا ، أو المراد أنّهم كذّبوا بالله في إخباره بأنّ محمدا رسولي ، وكتابه كلامي ، وشريعته ديني المرضيّ عندي مع وضوح صدق كلّ من الامور المذكورة.
__________________
(١) في النسخة : سالما.
(٢) فصلت : ٤١ / ٤٠.
(٣) تفسير روح البيان ٦ : ٤٩٣ و٤٩٤.