ثم بيّن كمال استحقاقهم للعذاب بقوله : ﴿أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ﴾ في الآخرة ﴿مَثْوىً﴾ ومقام دائمي ﴿لِلْكافِرِينَ﴾ المكذبين بالله وبرسوله وكتابه ؟ ! ولا يستوجبون الخلود فيها وقد فعلوا ما فعلوا من الافتراء والتكذيب الشنيع بالحقّ الصريح.
وقيل : إنّ الاستفهام الانكاري لاستبعاد اجترائهم على مثل هذا الافتراء والتكذيب (١) ، والمعنى ألم يعلموا أنّ في جهنم مثوى لهم حتى اجترءوا هذه الجرأة.
ثمّ إنّه تعالى بعد بيان كون الكافرين الجاحدين لتوحيده ورسالة رسوله أظلم الناس ، وتوعيدهم بالخلود في النار ، وعد المؤمنين المجاهدين في طاعته بألطافه بقوله : ﴿وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا﴾ وبذلوا وسعهم في النظر في أدلة توحيدنا والتفكر فيها ، وجدّوا في طاعتنا ، واجتهدوا في جهاد أعدائنا بألسنتهم وأيديهم وأموالهم ، والله ﴿لَنَهْدِيَنَّهُمْ﴾ بالإلهام والتوفيق والتأييد ﴿سُبُلَنا﴾ وطرق القرب منّا ، ولنوصلهم إلى كلّ خير وسعادة من الكمالات النفسانية وأعلى مراتب الانسانية في الدنيا ، ومن الدرجات العالية في الجنّة والنّعم الدائمة في الآخرة.
وعن ابن عباس : يريد المهاجرين والأنصار ، أي والذين جاهدوا المشركين وقاتلوهم في نصرة ديننا لنهدينهم سبل الشهادة والمغفرة والرضوان (٢) .
وقيل : يعني لنثبّتهم (٣) على الهداية والايمان ، كما عن القمي.
ثمّ وعدهم سبحانه بأعلى منه بقوله : ﴿وَإِنَّ اللهَ﴾ القادر العظيم بالعون والنصر والانس والله ﴿لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ العاملين برضاه في الدنيا والآخرة.
عن الباقر عليهالسلام : « هذه الآية لآل محمد ولأشياعهم » (٤) .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام قال : « ألا وإنّي مخصوص في القرآن بأسماء احذروا أن تغلبوا عليها فتضلّوا في دينكم ، أنا المحسن يقول الله عزوجل : ﴿وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ » (٥) .
عن الصادق عليهالسلام : « من قرأ سورة العنكبوت والروم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين ، فهو والله من أهل الجنة ، ولا استثني فيه أبدا ، ولا أخاف أن يكتب الله عليّ في يميني إثما ، وإن لهاتين السورتين من الله لمكانا » (٦) .
الحمد لله على التوفيق لختم تفسيرها.
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٧ : ٤٨ ، تفسير روح البيان ٦ : ٤٩٥.
(٢) تفسير روح البيان ٦ : ٤٩٧.
(٣) تفسير القمي ٢ : ١٥١ ، تفسير الصافي ٤ : ١٢٣.
(٤) تفسير القمي ٢ : ١٥١ ، تفسير الصافي ٤ : ١٢٣.
(٥) معاني الأخبار : ٥٩ / ٩ ، تفسير الصافي ٤ : ١٢٣.
(٦) ثواب الاعمال : ١٠٩ ، تفسير الصافي ٤ : ١٢٤.