وروي عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « من قرأ القرآن وهو قائم في الصلاة ، كان له بكلّ حرف مائة حسنة ، ومن قرأ وهو جالس في الصلاة ، فله بكلّ حرف خمسون حسنة ، ومن قرأ وهو في غير الصلاة وهو على وضوء ، فخمس وعشرون حسنة ، ومن قرأ على غير وضوء فعشر حسنات » (١).
وإنّما قدّم تلاوة الكتاب لما فيه من المعارف والعلوم ، وازدياد اليقين بصحة دين الاسلام ، وإحياء القلب ونورانيّته ، ثمّ أردفها بالأمر بأهمّ الواجبات بقوله : ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ﴾ وداوم عليها متحفظا لأركانها وأجزائها وشرائطها وآدابها.
ثمّ بيّن سبحانه علّة الأمر بقوله : ﴿إِنَّ الصَّلاةَ﴾ بالخاصية وبتأثيرها في نورانية القلب وزيادة القرب من الله ﴿تَنْهى﴾ وتمنع المصلّي ﴿عَنِ﴾ ارتكاب ﴿الْفَحْشاءِ﴾ والمعاصي الكبيرة ﴿وَالْمُنْكَرِ﴾ والصغيرة ، فانّ من تنوّر قلبه بالمعرفة ، وعلم أنّه يحضر في مقام إظهار العبودية لخالقه وربّه في كلّ يوم خمس مرات ، ويكالمه يتكلّم (٢) ربّه معه ، استحيى من ارتكاب ما يوجب غضبه تعالى عليه وإعراضه تعالى عنه.
وفي الحديث : « من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر ، لم يزدد من الله إلّا بعدا » (٣) .
روي أنّ فتى من الأنصار كان يصلّي مع رسول الله صلىاللهعليهوآله الصلوات الخمس ، ثمّ لا يدع شيئا من الفواحش إلّا ركبه ، فوصف للرسول صلىاللهعليهوآله فقال : « إنّ صلاته ستنهاه » فلم يلبث أن تاب ، وحسن حاله ، وصار من زهّاد الصحابة (٤) .
وقيل : إنّ المراد أنّها تنهاه حال الاشتغال بها (٥) .
عن الصادق عليهالسلام ، أنّه قال : « الصلاة حجزة الله ، وذلك أنّها تحجز المصلّي عن المعاصي ما دام في صلاته » (٦) ثمّ تلا الآية.
﴿وَ﴾ بالله ﴿لَذِكْرُ اللهِ﴾ والتوجّه إليه بالقلب ، وتحميده وتسبيحه والثناء عليه باللسان ﴿أَكْبَرُ﴾ وأفضل من سائر العبادات ، فانّه روحها ، أو لكون ثواب (٧) ذكر الله لذاكره ، أو من ذكر غير الله ، فانّ ذكر الله يوجب الدّخور في رحمته ، وذكر غيره يوجب البعد عنها ، أو من ذكر آبائكم ، فانّكم إذا ذكرتموهم تملون بذكرهم أفواهكم وقلوبكم ، لعظمتهم في نظركم ، ومن الواضح أنّ ذكر الله أعظم منه.
وقيل : إنّ المراد من الأكبر هو الكبير ، لعدم الكبر لغيره حتى يكون هو أكبر منه (٨) . أو المراد أكبر من
__________________
(١) تفسير روح البيان ٦ : ٤٧٤.
(٢) في النسخة : ويكلّم.
(٣) مجمع البيان ٨ : ٤٤٧ ، جوامع الجامع : ٣٥٤ ، تفسير روح البيان ٦ : ٤٧٤.
(٤) تفسير روح البيان ٦ : ٤٧٤.
(٥) تفسير الرازي ٢٥ : ٧٢.
(٦) التوحيد : ١٦٦ / ٤ ، تفسير الصافي ٤ : ١١٨.
(٧) في النسخة : ثوابه.
(٨) تفسير الرازي ٢٥ : ٧٤.