وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٤٢) و (٤٤)﴾
ثمّ أكدّ سبحانه عدم فائدة الأصنام ، وهدّدهم على عبادتها بقوله : ﴿إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ وحقيقته وكنهه ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ الغالب القادر على الانتقام من أعدائه ﴿الْحَكِيمُ﴾ في فعاله من عقوبتهم وإمهالهم.
ثمّ لمّا كان المشركون يعترضون على القرآن باشتماله على المثل بالعنكبوت والذّباب ، ردّهم الله بقوله : ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها﴾ تنبيها ﴿لِلنَّاسِ﴾ وتوضيحا لهم المطالب العالية وتقريبا لما بعد عن أفهامهم ، وما يفهم حسن تلك الأمثال وفائدتها ﴿وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ﴾ والمدركون لحسن الأشياء والمتدبّرون فيها.
ثمّ استدلّ سبحانه على توحيده بقوله : ﴿خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ﴾ وأبدعهما ملتبّسا ﴿بِالْحَقِ﴾ والغرض الصحيح والحكمة البالغة ، لا عبثا ، ولا لعبا ، فانّهما مع اشتمالهما على المنافع الدنيوية المربوطة بمعاش الخلق ، شواهد دالة على وحدانيته ، وكمال قدرته ، وحكمته ، وسائر صفاته ، كما قال سبحانه : ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ﴾ الخلق العظيم المعجب ﴿لَآيَةً﴾ عظيمة ، ودلالة واضحة على شؤونه الجليلة ، وإنّما هي نافعة ﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ لأنّهم المتدبّرون فيها ، المدركون لدلالتها ، الناظرون بنور الله في عجائبها ووجوه حكمها.
﴿اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ (٤٥)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد إثبات توحيده للمؤمنين ، أمرهم بأهم الأعمال وأنفعها ، بأمر نبيّه المعظّم بها ، إظهارا لعظم شأنها بقوله : ﴿اتْلُ﴾ يا محمد ﴿ما أُوحِيَ﴾ وانزل ﴿إِلَيْكَ﴾ بتوسّط جبرئيل ﴿مِنَ الْكِتابِ﴾ السماويّ والقرآن العظيم ، وأقرأه لنفسك متحفّظا لنظمه ، ومتدبّرا في معانيه وحقائقه ودقائقه ورقائقه وجهات إعجازه ، ليزيدك نورا على نور ، وعلى الناس لتهديهم به إلى الحقّ وصراط مستقيم ، وتحملهم على العمل بما فيه من الأحكام والآداب ومحاسن الاخلاق.
روي أنّ عمر اتي بسارق فأمر بقطع يده ، فقال : لم تقطع يدي ؟ قال : بما أمر الله في كتابه. فقال : اتل عليّ. فقال : ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾(١) فقال السارق : والله ما سمعتها ، ولو سمعتها ما سرقت (٢).
__________________
(١) المائدة : ٥ / ٣٨.
(٢) تفسير روح البيان ٦ : ٤٧٣.