﴿وَما كانُوا سابِقِينَ﴾ وفائتين منّا ومعجزين لنا عن عذابهم.
﴿فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ
وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ
كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ
الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا
يَعْلَمُونَ (٤٠) و (٤١)﴾
ثمّ فصّل وشرح كيفية إهلاك الامم المذكورين بقوله : ﴿فَكُلًّا﴾ منهم ﴿أَخَذْنا بِذَنْبِهِ﴾ وعاقبناه بجنايته ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً﴾ وريحا شديدا حاملا للحصى كقوم عاد ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ﴾ كقوم ثمود وأهل مدين ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ﴾ كقارون وأتباعه ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا﴾ في الماء كقوم نوح وفرعون وأتباعه ﴿وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ﴾ بما فعل بهم ، بل كان يعدل فيهم ﴿وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ بالكفر والطّغيان وتكذيب الرّسل.
ثمّ لمّا كان المهلكون من المشركين ، بيّن بطلان مذهبهم بقوله : ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا﴾ واختاروا لأنفسهم ﴿مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ﴾ وأحبّاء ، أو انصارا ، وآلهة ، وصفتهم العجيبة ﴿كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ﴾ وحالها العجيبة فانّها ﴿اتَّخَذَتْ﴾ لنفسها ونسجت من لعابها ﴿بَيْتاً﴾ لا جدار له ولا سقف ، ولا يدفع الحرّ ولا البرد ولا المطر ، فكذلك الأصنام لا تملك لعابديها نفعا ولا ضرّا ، و[ لا ] خيرا ولا شرا ، فمن اعتمد عليها كان كمن أعتمد على بيت لا أساس له ﴿وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ﴾ وأضعفها ﴿لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ﴾ فانّه أقرب إلى الانهدام من غيره ، لأنّه ينهدم بأخفّ الأرياح ، كما أنّ مذهب الشرك يبطل بأدنى التفكّر ، إنّهم ﴿لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ﴾ شيئا لعلموا ذلك ، أو لعلموا مطابقة المثل للممثّل له وغاية حسنه وفائدته.
قيل : إنّ العنكبوت كلّما نسجت حولها بنت لنفسها محبسا ، ولأرجلها قيودا ، كما أن المشركين كلّما عبدوا غير الله سووا لأيديهم وأرجلهم سلاسل وأغلالا ، وجعلوا الدنيا والآخرة لأنفسهم محبسا (١) .
﴿إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَتِلْكَ
الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ * خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ
__________________
(١) تفسير روح البيان ٦ : ٤٧١.