اخته (١) . وقيل : ابن خالته (٢) . فلمّا يأس من إيمان القوم عزم على الخروج من ذلك البلد ﴿وَقالَ﴾ للوط وزوجته سارة ﴿إِنِّي﴾ تارك لقومي و﴿مُهاجِرٌ﴾ من هذه البلدة ﴿إِلى رَبِّي﴾ وذاهب إلى حيث امرني إلهي اللطيف بي ﴿إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ﴾ الغالب على أمره ، فيحفظني من أعدائي ﴿الْحَكِيمُ﴾ الذي لا يأمرني إلّا بالذهاب إلى مكان فيه صلاحي.
روي أنّ إبراهيم أول من هاجر ، ولكلّ نبي هجرة ، ولابراهيم هجرتان ؛ فانّه هاجر من كوثى - وهي قرية من سواد الكوفة - مع لوط وسارة إلى حران ، ثمّ منها إلى الشام فنزل فلسطين ونزل لوط سدوم(٣) .
قيل : إنه كان له حين هجرته خمس وسبعون سنة (٤).
﴿وَوَهَبْنا لَهُ﴾ من سارة وهي عجوز عاقر ﴿إِسْحاقَ﴾ من صلبه ﴿وَيَعْقُوبَ﴾ من إسحاق حين أيس إبراهيم من الولادة من نفسه ، فانّه كان له حينئذ عشرون ومائة سنة ، ومن زوجته العجوزة العاقر ، ولذا لم يذكر إسماعيل ، لأنّ ولادته لم تكن على خلاف العادة. وقيل : إنّه ولد قبل هجرته ، وكان سنّه عليهالسلام حين ولادته خمسا وسبعين سنة.
وقيل : إنّ إسماعيل كان داخلا في ذرّيته المذكورة في الآية ، حيث قال : ﴿وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ﴾ وإنما لم يصرّح باسمه لأنّ الغرض بيان التفضّل عليه بالأولاد والأحفاد ، فذكر من أولاده واحدا ، ومن أحفاده واحدا من باب ذكر الواحد وإرادة الجنس ، لا لخصوصية فيه ، ولو ذكر غيره لفهم منه التعديد واستيعاب الكلّ ، فيظنّ أنّه ليس له غير المذكورين (٥) ، مع أنّه كان له عليهالسلام على ما روي أربع بنين : إسماعيل من هاجر ، وإسحاق من سارة ، ومدين ومداين من غيرهما (٦) .
﴿وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ﴾ ونسله من بني إسماعيل وبني إسرائيل ﴿النُّبُوَّةَ﴾ إلى يوم القيامة ﴿وَالْكِتابَ﴾ السماوي من التوراة والانجيل والقرآن والصّحف ﴿وَآتَيْناهُ﴾ وأعطيناه ﴿أَجْرَهُ﴾ على هجرته إلينا ﴿فِي الدُّنْيا﴾ وهو إعطاؤه الولد في غير أوانه ، والمال الكثير ، والذرية الطيبة التي من جملتهم خاتم الأنبياء وسيّد الأوصياء وعترتهما الطاهرة ، وإنتماء أهل الملل إليه ، والثناء والصلاة عليه إلى آخر الدهر.
قيل : إنّ الله قسّم الزمان قسمين ؛ فجعل في القسم الأول ، وهو أكثر من أربعة آلاف سنة النبوة في أولاده من إسحاق ، وبعث منهم أنبياء كثيرة لهم فضائل جمة ، وجعل في القسم الثاني النبوّة في ذرّيته
__________________
(١) جوامع الجامع : ٣٥٢ ، تفسير روح البيان ٦ : ٤٦٣.
(٢) علل الشرائع : ٥٤٩ / ٤ ، تفسير الصافي ٤ : ١١٥.
(٣) تفسير روح البيان ٦ : ٤٦٣ ، وسدوم : مدينة من مدائن قوم لوط كان قاضيها يقال له : سدوم.
(٤) الكشاف ٣ : ٤٥١ ، تفسير روح البيان ٦ : ٤٦٣.
(٥) تفسير الرازي ٢٥ : ٥٦ و٥٧.
(٦) تفسير روح البيان ٦ : ٤٦٣.