أذى ﴿النَّارِ﴾ بأن جعلها بردا وسلاما وروحا وريحانا ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ﴾ الإنجاء الخارق للعادة بحفظه من حرّها وإخمادها مع غاية عظمها بالفوز عقيب إحراق الحبل الذي أوثقوه به وإنشاء الرّوض مكانها ﴿لَآياتٍ﴾ عجيبة ودلائل واضحة على توحيد الله وألطافه بأوليائه ونصرته لهم على أعدائهم ﴿لِقَوْمٍ﴾ يلتفتون إلى الآيات ، ويتفكّرون فيها ، وينتفعون بها ، وهم الذين ﴿يُؤْمِنُونَ﴾ بالله وبآياته ، لا الكافرون الذين لا يعلمون إلّا ظاهر الحياة الدنيا.
﴿وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ
الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ
ناصِرِينَ * فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *
وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ
فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (٢٥) و (٢٧)﴾
ثمّ إنه تعالى بعد النجاة من النار اخذ في نصح قومه ﴿وَقالَ﴾ يا قوم ﴿إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ﴾ واخترتم العبادة ﴿مِنْ دُونِ اللهِ﴾ وممّا سواه ﴿أَوْثاناً﴾ وأحجارا منحوتة لتحفظوا ﴿مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ﴾ والتحابب والتواصل فيكم باجتماعكم على عبادتها ، أو المراد مودّتكم للأوثان أو لآبائكم الذين كانوا يعبدون ، لا لقيام برهان عندكم على جوازها ، واعلموا أنّ تلك المودّة باقية فيكم ﴿فِي الْحَياةِ الدُّنْيا﴾ ومدّة أعماركم فيها ﴿ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ يتبدّل التوادّ بالتباغض ، والتواصل بالتباعد ، حيث ﴿يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ﴾ وهم الأتباع أو العبدة ﴿بِبَعْضٍ﴾ وهم الرّؤساء والمتّبوعون ، أو الأوثان ، ويتبرأ كلّ من كلّ.
عن الصادق عليهالسلام : « يعني يتبرأ بعضكم من بعض »(١) ﴿وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ﴾ من الاتباع أو العبدة ﴿بَعْضاً﴾ الآخر من المتبوعين ، أو الأوثان.
عن الصادق عليهالسلام : « ليس قوم ائتمّوا بإمام في الدنيا إلّا جاء يوم القيامة يلعنهم ويلعنونه إلّا أنتم ومن كان على مثل حالكم » (٢) .
﴿وَمَأْواكُمُ﴾ ومنزلكم جميعا العابدون والمعبودون ، والتابعون والمتبوعون ﴿النَّارُ﴾ فانّها مقرّكم الذي تأوون إليه ، ولا ترجعون منه أبدا ﴿وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ﴾ يخلّصونكم منها ، كما خلّصني ربّي من النار التي ألقيتموني فيها ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾ بعد رؤية معجزاته. قيل : هو ابن أخيه (٣) . وقيل : ابن
__________________
(١) الكافي ٢ : ٢٨٨ / ١ ، تفسير الصافي ٤ : ١١٤.
(٢) الكافي ٨ : ١٤٦ / ١٢٢ ، تفسير الصافي ٤ : ١١٥.
(٣) تفسير البيضاوي ٢ : ٢٠٧ ، تفسير أبي السعود ٧ : ٣٧.