والاتقاء منه ﴿خَيْرٌ لَكُمْ﴾ وانفع ممّا أنتم عليه من الاشراك به وعبادة الأصنام ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ شيئا من الخير والشرّ ، وتميّزون أحدهما من الآخر.
ثم أخذ في توبيخهم بقوله : ﴿إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ﴾ وممّا سواه لجهلكم ونقص عقولكم ﴿أَوْثاناً﴾ وأحجارا منحوتة لا عقل لها ولا قدرة ، ولا نفعا ولا ضرّا ﴿وَتَخْلُقُونَ﴾ وتخترعون من عند أنفسكم ﴿إِفْكاً﴾ وكذبا فضيعا شنيعا حيث تسمّونها إله وشفعاء عند الله ، مع أنّ الإله لا بدّ أن يكون منعما على خلقه و﴿إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ﴾ ولا يقدرون على إعطائكم ﴿رِزْقاً﴾ قليلا ﴿فَابْتَغُوا﴾ واطلبوا ﴿عِنْدَ اللهِ﴾ القادر على كلّ شيء ﴿الرِّزْقَ﴾ كلّه بعرفانه والتوجّه إليه ﴿وَاعْبُدُوهُ﴾ وحده ﴿وَاشْكُرُوا لَهُ﴾ على نعمائه حتى يزيدكم النّعم واعلموا أنّكم بعد الموت ﴿إِلَيْهِ﴾ وإلى حكمه ﴿تُرْجَعُونَ﴾ فيثيبكم على طاعته وعبادته ، ويعذّبكم على عصيانه ومخالفته ، فعليكم أن تصدّقوني فيما أمرتكم ممّا فيه خيركم في الحياة وبعد المماة ﴿وَإِنْ تُكَذِّبُوا﴾ ني فيما اخبركم به ، فليس تكذيبكم إيّاي بأمر بديع ، وما هو بضارّ علي ﴿فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ﴾ وجماعات كانوا ﴿مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ أنبياءهم كشيث وإدريس ونوح ، فما أضروهم شيئا ، وإنّما أضرّوا أنفسهم بتعريضها للعذاب والهلاك ﴿وَما عَلَى الرَّسُولِ﴾ المرسل من قبل الله ﴿إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ وإرشاد الخلق إلى الحقّ ببيان واضح لا يبقى معه الشكّ ، وما عليه أن يصدّق ولا يكذّب ، وقد خرجوا وخرجت عن عهدة ما أمرنا به بما لا مزيد عليه ، فليس علينا مجال مسئوولية ومؤاخذة ، وإنما المسؤولية والمؤاخذة لكم.
﴿أَ وَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ * قُلْ سِيرُوا
فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ * وَما أَنْتُمْ
بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا
نَصِيرٍ (١٩) و (٢٢)﴾
ثمّ لمّا ذكر إبراهيم عليهالسلام لقومه التوحيد والمعاد ، وكان كفّار مكّة منكرين للبعث ، استدلّ سبحانه لهم عليه بقوله : ﴿أَ وَلَمْ يَرَوْا﴾ ولم يعلموا علما جاريا مجرى العيان في الجلاء والظهور ﴿كَيْفَ يُبْدِئُ﴾ ويوجد ﴿اللهُ﴾ بلا سابقة ﴿الْخَلْقَ ثُمَ﴾ اعلموا أنّه ﴿يُعِيدُهُ﴾ بعد كونه رميما قياسا على الإبداء ﴿إِنَّ ذلِكَ﴾ المذكور من الإعادة ﴿عَلَى اللهِ يَسِيرٌ﴾ وسهل لا نصب فيه بوجه.
ثمّ أكدّ سبحانه ذلك الدليل بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد ، لمنكري البعث : ﴿سِيرُوا﴾ وسافروا ﴿فِي﴾