قيل : إنّه عليهالسلام أول نبيّ بعث إلى عبدة الأصنام ، لأنّها حدثت في قوم (١)﴿فَلَبِثَ﴾ ومكث نوح ﴿فِيهِمْ﴾ بعد الارسال ، وهو يدعوهم إلى التوحيد ﴿أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً﴾ وهم لا يقبلون قوله ، ولا يلتفتون إلى دعوته ، بل كانوا يشتمونه ويضربونه ، وهو لا يفتر عن الدعوة ، ولا ينكل على تحمّل أعباء الرسالة حتى يئس من إيمانهم ، فدعا عليهم ﴿فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ﴾ فغرق من في الدنيا كلّها من الكفّار ﴿وَهُمْ ظالِمُونَ﴾ ومصرّون على إهانة الله ورسوله ، مبالغون في معاندة الحقّ ولو كانوا غير مصرّين على الكفر ومعاندة الحقّ لم يغرقوا ولم يعذّبوا ، لكونه تعالى توّابا رحيما وأمّا نوحا ﴿فَأَنْجَيْناهُ﴾ من الطّوفان والغرق والابتلاء بمشاقّ الكفرة رحمة منا ﴿وَ﴾ نجّينا ﴿أَصْحابَ السَّفِينَةِ﴾ أيضا وأهلها الراكبين فيها معه من المؤمنين به من أولاده وأهله وغيرهم بواسطة السفينة التي صنعها بأمرنا ووحينا ﴿وَجَعَلْناها آيَةً﴾ ودلالة على التوحيد ﴿لِلْعالَمِينَ﴾ حيث إنّها أول سفينة في الدنيا ، وسائر السفن التي استدلّ بها سبحانه على توحيده علامة من تلك السفينة ، أو المراد جعلنا نجاة نوح وأصحابه ، أو قضيّته وواقعته عبرة وعظة للخلق إلى يوم القيامة يتّعظون بها ، ويعتبرون منها.
روي أنّ نوحا بعث على رأس الأربعين ، ودعا قومه تسعمائة وخمسين عاما ، وعاش بعد الطّوفان ستيّن سنة حتى كثر الناس وفشوا ، وذلك من أولاده حام وسام ويافث ، لأنّ غيرهم لمّا خرجوا من السفينة ماتوا كلّهم ، وكان عمره عليهالسلام ألفا وخمسين عاما ، وهو أطول الأنبياء عمرا ، وهو أول من تنشقّ الأرض عنه بعد نبيّنا صلىاللهعليهوآله (٢).
﴿وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ *
إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ
لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ
تُرْجَعُونَ * وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ
الْمُبِينُ (١٦) و (١٨)﴾
ثمّ سلّاه سبحانه بذكر إبلاغ إبراهيم في نصح قومه وعدم قبولهم دعوته بقوله : ﴿وَإِبْراهِيمَ﴾ قيل : إنّ التقدير وأرسلنا إبراهيم ، أو اذكره (٣)﴿إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ﴾ وهي أهل بلدة بابل : يا قوم ﴿اعْبُدُوا اللهَ﴾ وحده ، ولا تشركوا به شيئا ﴿وَاتَّقُوهُ﴾ وخافوا عذابه على الشرك ﴿ذلِكُمْ﴾ الذي قلت من التمحّض لعبادته
__________________
(١) تفسير روح البيان ٦ : ٤٥٥.
(٢) تفسير روح البيان ٦ : ٤٥٦.
(٣) تفسير الرازي ٢٥ : ٤٣.